لاتقل إنّ لي تاريخاً مشرّفاً!
|
*طاهر القزويني
كل واحد منا يريد أن يعرف ماذا ستكون خاتمة أمره، هل ستكون إلى خير أم إلى شر؟ وهل ستكون عاقبته حسنة أم سيئة؟ وهل ستكون في حالة هداية أم غواية؟
النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد لنا عدم قدرتنا على معرفة خاتمة أمرنا إلا في لحظة واحدة هي: (لايزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لايتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت) (البحار ج71، ص366).
إن المؤمن بخلاف الانسان الضال يهتم بهذه المسألة ويعطيها الكثير من تفكيره و وقته، فهو يفكر بأن عاقبة أمره على ماذا ستكون؟ هل ستكون إلى خير أم الى شر؟ لأنه متيقن من عالم الآخرة والحساب والكتاب لذلك فهو جدي في التفكير بهذا الموضوع، بخلاف الإنسان الضال والشاك بحقيقة الإيمان والآخرة تجده لا يأبه لهذا الموضوع ولايفكر حتى بالموت أو خاتمة الأمر، لأنه يظن وحسب تفكيره البسيط أن الموت مكتوب على غيره وأن ملك الموت لن يأتي إليه عما قريب.
بينما المؤمن هو أكثر اهتماماً بموضوع الخاتمة والعاقبة، وهذا التفكير هو بحد ذاته سيساعده أيضاً على القيام بالأعمال الصالحة والإكثار منها، لأنه كما ذكرنا غير متيقن أن عاقبته ستكون حتماً إلى الجنة، فهو يعمل بجد ومثابرة من أجل زيادة ميزان الحسنات لديه.
ولن يصل هذا المؤمن إلى درجة اليقين من الخاتمة إلا بعد نزع الروح، عند ذلك يصل إلى حالة الإستقرار التي يصفها الإمام علي عليه السلام بقوله: (إن خُتم لك بالسعادة صرت إلى الحبور وأنت ملك مطاع وآمن لايراع، يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين). (آمالي الطوسي، ص652).
فمن الذي سيحصل على هذه الامتيازات؟ وعلى هذه الدرجات؟ ومن سيرتفع إلى هذا المستوى؟ أن هذه الدنيا تغربل الناس غربلة حتى يدخل في الضالين من كان يعد من المؤمنين ويدخل في الصالحين من كان يعد من الفاسقين.
عندما كنّا في مرحلة المعارضة للنظام البائد في بلاد المهجر، كان الناس لديهم أحلاماً وأماني وقد رفعوا شعار العدل والحرية وكتبوا على قلوبهم نصرة المستضعف الفقير، ورفعوا راية الدفاع عن المظلوم، وشحذوا أسلحة إرادتهم لمواجهة الطغيان والاستكبار، واليوم حيث تفرق الناس وبعضهم ارتفع إلى المواقع العالية وإلى كراسي الرئاسة والوزارة والنيابة، وبعضهم إنزوى إلى زوايا النسيان، نتذكر أحاديث الرسول وآل البيت (صلوات الله عليهم) بأن الناس يعرفون بعاقبة أمرهم وأن الأعمال تعرف بخواتيمها وقال رسول الله(ص) في ذلك: (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له بعمل أهل النار، وأن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة ). (معاني الأخبار، ج1، ص345).
فالدنيا تغربل الناس وتغربل حتى المؤمنين، فيسقط على حافتي الطريق من كنت تظن بهم الخير وأنهم سيكونون في مقدمة الركب الذين سيمضون إلى الجنة فتسألهم وتقول: يا فلان هل نسيتم المبادئ التي بدأتم بها؟ هل نسيتم العهود التي عاهدتم بها الفقراء والمساكين؟ هل نسيتم الأيتام والأرامل والضعفاء؟ وبدلاً من أن يكون صاحبنا جليس الأيتام والفقراء أصبح يجالس البعثيين والقتلة والمجرمين الذين امتصوا دماء هذا الشعب المضطهد.
وعندما تحدث السيد المسيح عن البناء كيف يكون، لم يقل أن البناء بأساسه، كما نقول ونكتب عادةً بل قال أن ملاك العمل بخواتيمه، فقد ورد في كلامه: إن الناس يقولون إن البناء بأساسه وانا لا أقول لكم كذلك، قالوا: فماذا تقول يا روح الله قال: بحق أقول لكم: إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس). (معاني الأخبار، ج1، ص348).
ولابد أن يعرف الرئيس أو المسؤول أو المدير إن الله سبحانه وتعالى لن يعطي أكثر من فرصة واحدة للإنسان لكي يثبت موقفه ويختم عمله بخير فإذا فشل في هذه المرة لكي يحقق الذي كان يطمح إليه في الماضي فإنه من الصعب أن يحصل على فرصة مماثلة لتحقيق ما عجز عنه في الماضي، لأن الله سبحانه وتعالى يستبدل الناس وفق قاعدة الابتلاء والاختبار. و ربما يحصل على فرصة مماثلة للنجاح من كان سائراً وموفقاً لهذا النجاح، أما الذي يتعثر في أخطائه وزلاته، فكل قوانين الكون والعلم ستعارض مكوثه في موقع هو لايحسن العمل فيه.
وقد اعتاد الناس في هذا الزمان أن يأتوا بتاريخهم المجيد كبطولاتهم السابقة أو مشاريعهم القديمة، كدلالة على صوابية موقفهم، وعلامة على حاجة الناس إليهم، لكن النبي (صلى الله عليه وآله) يبين ميزاناً آخراً غير التاريخ المجيد والتضحيات الكبيرة أنه يبين هذا الميزان (لاعليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً.)
جاء عمرو بن جرموز إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسيف الزبير، فأخذه أمير المؤمنين ونظر إليه ثم قال: أما والله لرب كربة وكربة قد فرجها صاحب هذا السيف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله؟!
وقد يمُن بعض من عملوا في المعارضة العراقية سابقاً على الله عزوجل أن لهم تاريخاً مجيداً في الجهاد والنضال وأن هذا الملف وحده سيشفع لهم في الدخول إلى جنة الخلد، لكن الزبير نفسه يقول لهم إن ذلك لايكفي، وأنه حتى الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الظروف الصعبة لم يكن ينفع الزبير، لأن قوام العمل ليس بأساسه وإنما بخاتمته، ومن اراد الفلاح يجب أن يمضي إلى آخر الدرب في نصرة الضعفاء والمساكين ومجابهة الطغاة والظالمين.. لا أن يتوقف في وسط الطريق ويقول.. أنا عندي تاريخ مشرّف!
|
|