بالموازنة وحدها لاتكون الرفاهية
|
حافظ آل بشارة
بسرعة انتشر خبر تصويت مجلس النواب على موازنة 2010 التي يسيل لها اللعاب. 70 مليار دولار ليس مبلغا هينا، وربما تصل الى 100 مليار بسبب تدوير اموال من السنوات الماضية .
كنا في سيارة عالقة في الازدحام في قلب بغداد عندما اذاع المذياع خبر التصويت على الموازنة حتى ان المذيع كان صوته يتهدج وهو يذكر الرقم، من زجاجة السيارة العالقة في الازدحام يمكن متابعة مسرحية تراجيدية كاملة على الرصيف المقابل تعرض مجانا وبشكل يومي، المسرحية ذات علاقة بالموازنة التي تساوي عشر اضعاف موازنة بلد مجاور للعراق!.
المسرحية ابطالها عشرات من عمال البناء الذين يقفون صفوفا بانتظار صاحب عمل لتدبير رزق هذا اليوم، بعضهم يحملون الفؤوس والمجارف والمعاول والخيط والشاهول والمالج هؤلاء هم صنف من جيش البطالة الوطنية، وبشكل متداخل يعج المكان ايضا بنخبة من الشحاذين والشحاذات، من الرجال والنساء والاطفال بعضهم يجلس على الرصيف وينظر في فراغ وبعضهم يقتحم رتل السيارات العالقة في الازدحام طالبا المعونة .
عندما كان المذيع يذكر الرقم (سبعون مليار) عبر الراديو قاطعته شحاذة شاحبة الوجه تحمل طفلا كالشبح يهيمن على كيانه الذبول اطلت علينا براسها قائلة (لخاطر هليتيم هاذ) وجاءت كلمتها الاخيرة ممتزجة مع كلمة المذيع (سبعون مليار)، فلم تعد لدينا قدرة للتمييز بين المذيع والشحاذة، فهل ان الشحاذة هي التي ذكرت الرقم ام ان المذيع هو الذي كان يحمل طفلا شبحيا عبر الاثير، ماذا تغير مع مجيء هذه الموازنة؟ ابسط قواعد الاقتصاد تقول ان الاموال وحدها لا تكفي لمكافحة الفقر والبطالة وتحقيق الرفاهية بل ان قيمة النقود اعتبارية وتتوقف على ماتختزنه من قدرة على توفير السلع والخدمات، فقد تستثمر النقود في شراء السلع والخدمات وقد تستثمر في انتاجها والفرق كبير بين الحالين وهو فرق بين من تجعله النقود مستهلكا كسولا ومن تحوله الى منتج مثابر، وعندما يكون الانسان منتجا ومستهلكا في الوقت نفسه سيكون ايضا مدخرا ومستثمرا ليقدم اداء اقتصاديا متكامل العمليات فيتوقع ليس فقط تحقيق الرفاهية بل التحول الى قوة اقتصادية تؤثر في التوازن السياسي .
لن تكون ميزانية العراق مفيدة حتى وان اصبحت ترليون الا اذا تحولت الى وسيلة لتنفيذ تنمية اقتصادية حقيقية كثمرة للتنمية السياسية التي نجحت في بلدنا الى حد بعيد، لكن التنمية لاتنفذ الا من خلال دوائر الدولة اولا قبل تدخل القطاع الخاص والشركات في مرحلة لاحقة، أي الاجهزة الادارية القوية والمنظمة وذات الاطار الثقافي الملائم الذي يجعل العاملين يتحملون مصاعب العمل لإجل قيم واهداف معنوية، وليس لدى العراق اجهزة ادارية وطنية موالية للشعب والتجربة السياسية الجديدة، كيف يتحمل اعباء التنمية جهاز اداري موروث من النظام البائد هيمنت عليه روح الفساد والرشوة واللاّ ابالية والروتين؟ من يراجع دوائرنا الآن يشعر فورا انه امام مجتمع اداري مفكك ومنهك ومحبط، بعض الموظفين هم عبارة عن صدام صغير بأستعلائه وانانيته وفساده وانعدام دوافعه للعمل وهو زعلان دائما ولا نعرف ماذا يريد ؟!، بل ان البعض حاقد على من يراجعه بدون أي مقدمات وبلا سابق معرفة !. هذه القاعدة الادارية الفاسدة لا تصلح كجهاز تنفيذي للتنمية، كما ان محاولات تعيين عناصر نزيهة لتصلح الفساد فشلت اغلبها لأن النزيه عندما يدخل الى هذا المحيط الفاسد يحاربه الجميع فإما ان يُعزل او يصبح مثلهم بعد حين !.
مشكلة العراق ليست مشكلة اموال، بل هي مشكلة خطة تنمية مناسبة وجهاز اداري جيد لتنفيذها، الغرب علمونا كيف نستخرج النفط وعلمونا كيف نبيعه وعلمونا كيف نضع خطط التنمية الاقتصادية فهل سنطلب منهم ان يعلمونا النزاهة وفي جنسياتنا مكتوب (مسلم) ! وفي جنسياتهم مكتوب (بلا دين )!، البلا دين يعلم المسلم النزاهة ! أهذه من علامات الظهور ام من علامات القيامة؟
|
|