عندما تصبح مفردة (السياسي ) شتيمة !
|
سالم مشكور
ربما لا نجد بلدا ينظر مواطنوه بسلبية كبيرة الى السياسة والسياسيين كما هو العراق، لدرجة أن السياسة باتت سبّة، وميدانها مجلبة للشبهة والطعن بالمصداقية. خلال الانتخابات النيابية الاخيرة إستوقفني أحد موظفي مطار بغداد خلال مروري به وعاتبني بشدة كوني ترشحت في الانتخابات، وعندما سالته عن سبب عتابه أجابني : "عهدناك حريصا مخلصا مدافعا عن الناس لكنك ستصبح منهم ..مع الاسف " .
هذا " الاسف " الذي سمعت تكراره من اناس كثيرين دفعني الى التوقف عند أسباب هذه النظرة السلبية للسياسة والسياسيين. هل هي نظرة حديثة تكونت بعد 2003 وبسبب سوء أداء او سوء حظ بعض السياسيين الذين جاءوا في مرحلة هي اشبه بالمحرقة للمتصدين فيها للعمل الرسمي، أم ان الامر له جذور تاريخية تمتد في عمق التاريخ العراقي، وربما لا يشمل العراق وحده بل الكثير من الدول التي تشترك مع العراق في البيئة الثقافية والاجتماعية وطبيعة نظم الحكم ؟.
قبل ذلك يبدو ان مفهوم السياسة يغيب عن بال الكثير من المتعاطين في الشأن الاعلامي والثقافي فضلا عن عامة الناس. ولسنا هنا في دراسة اكاديمية لذكر النظريات والتعريفات الواردة في الكتب الخاصة بالسياسية لكن الاكتفاء بخلاصة التعريف المتفق عليه وهو ان السياسة علم وفن وانها تعني كل ما يتعلق بالحكم والسلطة وإدارة الشأن العام. هنا فان الحزب السياسي هو الحزب الذي يريد الوصول الى السلطة لتطبيق برنامجه الذي يؤمن به، هو حزب سياسي، فيما تغيب صفة " الحزب السياسي " اذا غابت غاية الوصول الى السلطة ليصبح منظمة مدنية غير سياسية. وارتباط وصف السياسي بالحكم والسلطة ربما يكون السبب الرئيس في سوء سمعة السياسي بسبب سوء السلطة في اغلب دول العالم الثالث، والعراق كان بين الدول الشمولية لعشرات السنين. كانت السلطة ممثلة برأسها تختزل الوطن والحكم، تعيش في وادٍ غير وادي الشعب، فاصبحت خصما ظالما مستبدا للناس. لكن الوضع السياسي العراقي تغير بعد 2003 ويفترض أن تكون السلطة الجديدة هي في ذات وادي المواطنين تأتي باصوات الناس وانتخابهم. هي سلطة موظفة لدى الناس ومن ثم هي تابعة لهم وليست متسلطة عليهم. هل ان هذا هو الواقع وهل ان استمرار الموقف السلبي الشعبي من السلطة ومن ثم من السياسة والسياسيين تغير أم لا .
منطقيا وحتى يغير الناس نظرتهم لابد وان يروا اداء مختلفا من سلطة مختلفة. والحق ان كثيرا من السياسيين يتصرفون وفق منطق الوضع السياسي الجديد لكن كثيرين منهم ايضا ما زالوا مشبعين بثقافة النظام الشمولي، على الاقل في أدائهم الذي يعود في جانب كبير منه الى حلقات المتملقين من الذين امتهنوا النفخ في المسؤول وعزله عن الناس وشؤونهم وبالتالي اظهاره وكأنه استنساخ لمسؤولي السلطة السابقة ليقول الناس : ماالذي تغير؟. شعبيا يحتاج الناس الى فترة طويلة من معايشة الاداء " المختلف " لسلطة تريد حقا ان تضع المواطنين على سكة سليمة من التعاطي مع سلطة هي من الناس ولهم، وليست متسلطة عليهم وقاهرة لهم.
|
|