رسالة.. إلى حضرة النائب العراقي المحترم
|
د.محمد فلحي
عزيزي النائب المحترم:يسرني، في البدء - أنا المواطن الفقير المهاجر - أن أبارك حصولك على مقعد في مجلس النواب الجديد بعد أن منحك الشعب صوته، واستطعت الفوز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في ممارسة ديمقراطية يتمنى كل مواطن شريف وغيور على وطنه أن تنضج وتتطور، وتصبح تجربة العراق نموذجاً يقتدى من قبل دول كثيرة ما تزال ترزح تحت أنظمة الاستبداد والقهر!
إن مجرد إقدامك على ترشيح نفسك لهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر الأمنية والمسؤولية الوطنية، وما تقتضيه من جهود مضنية في العمل السياسي، يمثل شجاعة شخصية تستحق الإشادة والتقدير، ولكن عليك أن لا تنسى حقوق الآخرين، ولا تمل من طلب النصيحة ولا تخجل من مشاورة كل مخلص حكيم، ولا تشعر بالغرور أو التعالي أو التميّز، فقد يكون الحظ أو الصدفة قد لعبت دوراً في وجودك في هذا المكان والزمان والعنوان، ومن ثم عليك أن تشعر بالامتنان والاحترام لكل مواطن قد يكون من بين مائة ألف شخص يفترض انك تمثلهم، وقد لا تعرف أغلبهم، ولا هم يعرفونك، ومع ذلك فإن مصيرهم الحياتي ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي سوف يتأثر، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالقرارات والمناقشات التي تشارك فيها، خلال الدورة البرلمانية الحالية، ولسوف تمر الأربع سنوات سريعة، وربما يسألك الناس خلالها أو بعدها، ماذا فعلت من أجلنا، وماذا حققت من أهدافنا، وما الحصيلة التي خرجت فيها، هل هي كرش أكبر، أم بيت وسيارة احدث، أم زوجة ثانية شابة، أم سمعة وموقف وتاريخ مشرّف!
صفة "النائب" هي توقير لشخصك، ينبغي أن لا يجعلك تنسى أنك في الحقيقة يجب أن تكون "خادماً"، ولو استطعت أن تقبّل يد كل مواطن ومواطنة كتبوا اسمك في بطاقة الانتخاب، أو تبوس أحذيتهم، التي مشوا فيها إلى مكان الاقتراع، تحت التهديد الإرهابي، لما أوفيتهم حقهم، ولسوف يكون فضلهم سابقاً عليك، فقد كنت نكرة فجعلوك علماً، وكنت فقيراً فجعلوك غنياً، وكنت محكوماً فجعلوك حاكماً، وشتان بين من يعاني ويتحدى الموت من أجل ممارسة حقه في الاختيار وتثبيت موقفه الوطني، دون مقابل، وبين من ينتظر المكاسب والامتيازات ويتنافس على المناصب والسيارات والقصور والدولارات والإيفادات المدفوعة من قوت ملايين الناس المحرومين والجائعين والمشردين والمهجرين!
هناك فئة من الناس لن تقابلهم أو تراهم بعد اليوم، لكنهم يضعون في عنقك أمانة ما أثقلها لو كنت تعلم، إنهم الشهداء الذين فاضت أرواحهم حباً في الوطن أو دفاعاً عنه، فارتفعت أرواحهم خالدة في علييّن، وبقيت أجداثهم في المقابر الجماعية أو ظلت دماؤهم متناثرة على الأرصفة، شاهدة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان إلى يوم الدين!. هؤلاء الغائبون هم أكثر حضوراً وحظوة منك عند الله، ومهما فعلت من أجل عوائلهم تظل أنت المدين، وهم الدائنون، وتظل أنت الخادم وهم الأسياد، ولو مررت على قبورهم وبيوتهم وتفقدت ذويهم كل يوم، ستظل مقصراً في حقهم أبداً! .
عليك أن تتذكر وأنت تجلس في القاعات والمكاتب المكيّفة، وتتنقل في سيارة مصفحة، وتسكن في بيت واسع، أن هناك الملايين من المواطنين، وبعضهم أكثر كفاءة وخبرة ونزاهة وحكمة وتضحية منك، لا يمتلكون بيتاً أو سيارة، ولا يستطيعون كسب ثمن الغذاء والدواء لعوائلهم، ولا يحصلون على الكهرباء والماء الصالح للشرب، وكلما جلست على كرسيك المريح الدوّار، عليك أن تتذكر أن أنين الأرامل والأيتام والعجزة والمعتقلين، يمكن أن يزلزل الأرض تحت قدميك، إذا ما تجاهلتهم أو نسيتهم أو خنتهم، ولسوف يدور الزمن وتدور الكراسي ومن عليها، وتذكر دائماً أن هناك من سبقك إلى الجلوس على الكرسي، في مراحل سابقة، وكان يتصرف كأنه باق إلى الأبد، لكنه ذهب ولن يعود، وكان مصيره أما قتيلاً أو هارباً أو معتقلاً، أو ملعوناً من رب العالمين والناس أجمعين، ولن تكون عاقبتك أفضل منهم، فقليل منهم من كسب رضا الله وفاز بمحبة الناس!.
سوف تظهر في حياتك الجديدة، مجموعة من الأشخاص، يحيطون بك ويدورون حيثما تدور، مثل الذباب الكثيف، وهؤلاء هم الانتهازيون والمنتفعون من الأقارب والأصدقاء، الذين جذبهم الطمع إليك، فتراهم يتسابقون في خدمتك ليس احتراماً أو تبجيلاً بل سعياً للمغانم والصفقات والرشوات من خلال التقرب منك، وسوف لا يتورعون عن الحديث باسمك والتصرف نيابة عنك، وقد يفعلون من وراء ظهرك الموبقات، وينسبونها إليك، وقد تكون نهايتك على أيديهم القذرة الملوثة بالحرام..فاحذر من بطانتك، منذ البداية، وليكن مقياسك الوحيد في اختيار معيتك وحرسك ومرافقيك وموظفيك هو العلم والشرف والكفاءة، وليس القرابة أو المصلحة الشخصية!.
وقد تجد من بين أفراد عائلتك الذين تحبهم ويحبونك حبّاً جمّا، قد أصبحوا أعداءً لك فجأة، لأنك رفضت الخضوع لمطالبهم ومصالحهم ورغباتهم المتزايدة، في ظل الوضع الجديد، وسوف تجدهم يتباهون بك ويتفاخرون ويتكبرون على الناس، وبعض أبنائك الطائشين، قد يستفزون الناس بسياراتهم أو يتحرشون بالنساء العابرات، ويبذرون ويسرفون، فعليك أن تلجم أحباءك المقربين وتؤدبهم بشدة، ولا تسمح لهم أن يجملّوا لك الحرام، أويستطيبوا لك الفساد من أجل تلبية طلباتهم غير المشروعة. واعلم أن العمل الوطني السياسي هو تضحية وليس فرصة، ومسؤولية وليس امتيازاً، ولعل من علامات تلك التضحية احترام الوقت والانضباط في المواعيد والدقة في العمل، والنزاهة في المسؤولية وحب الناس واحترامهم، دون تمييز طائفي أو عرقي أو ديني أو سياسي، فهؤلاء وفق الدستور، وكل الشرائع السماوية والوضعية، متساوون في الحقوق والواجبات..وليكن أقربهم إلى ضميرك المظلوم حتى ينال حقه، والفقير حتى يشبع، والمريض حتى يشفى، والمهاجر حتى يعود، وخاطب الناس بأجمل الكلمات والعبارات سوف تجد قلوبهم وعقولهم مفتوحة، ولا تكن مسرفاً في المأكل والملبس والمظهر أمام الناس، فأنت اليوم قدوة، ويفترض أن تكون قدوة حسنة في مظهرك ومنطقك وسلوكك.
احترم القانون واحرص على تطبيقه، دون تعسف أو ظلم أو تجبر، ولا تشعر أنت أو أفراد عائلتك بأنكم فوق القانون، فالحصانة الحقيقية هي في نظافة القلب واليد واللسان، وليكن عملك وفعلك أكثر من كلامك، ولا تبالغ في تصريحاتك ووعودك، فالوعود عهود، ومن لم يف بعهده، قد خسر الدنيا والآخرة، ولا تغرنك الأضواء الإعلامية فتنخرط في لعبة الدعاية والعلاقات العامة، وإن كانت مطلوبة بقدر معقول في ظل عصر الاتصالات والتواصل، ولكن المبالغة في لغة الخطاب والتفاخر والمزايدات والاتهامات والشتائم ضد خصومك، لا تجعل منك سياسياً عظيماً، بل تجلب الكراهية وتزرع البغضاء والنفور بين الناس. لا تدافع عن ظالم، ولا تتوسط لإنقاذ مجرم من عقوبة القانون، حتى إن كان من أقرب المقربين إليك، ولا تخلط الحق بالباطل، ولا تكن متحيزاً في النظر في مطالب الناس وحقوقهم.
وأخيراً، فإن غيابك عن جلسات مجلس النواب، بدون عذر، وعدم مشاركتك الفاعلة في صنع القرارات، يمثل نوعاً من الخيانة لثقة الناس الذي انتخبوك، وجعلوك نائباً في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم ومطالبهم المشروعة.هذه نصيحتي، أضعها أمانة بين يديك، أيها النائب الجليل، فاتق الله فيما تقول وتفعل، وهو أحكم الحاكمين، وبه نستعين سبحانه.
|
|