قوة الدولة من قوة المجتمع
|
احمد عبد الرحمن
لعل واحدة من ابرز واهم الحقائق في عالم اليوم، هي ان الرفاهية الاجتماعية، والاستقرار الاقتصادي، والامن الحياتي بمفهومه العام والواسع، يقترن بوجود الدولة القوية والمستقرة والمتماسكة.
ومفهوم الدولة القوية لايعني مثلما قد يتبادر الى اذهان بعض الناس وجود السلطة الاستبدادية التي تحكم المجتمع بالحديد والنار، وتبني مؤسسات الجيش والشرطة والامن من اجل ان تحافظ على ديموميتها واستمراريتها، وتخضع جميع افراد المجتمع لمزاجها ورغبتها ونزعاتها المصلحية الضيقة، بل ان مفهوم الدولة القوية يعني وجود الدستور والاحتكام اليه، وسيادة القوانين، ومبدأ توزيع السلطات والفصل فيما بينها، وحرية التعبير والرأي، والتداول السلمي لمقاليد الحكم وادارة شؤون البلد، ويعني ايضا استيعاب كل المكونات الاجتماعية المختلفة، وصهرها في بوتقة واحدة هي بوتقة الوطن والمواطنة، من دون الغاء الخصوصيات الثقافية والقومية والدينية والمناطقية، ويعني مفهوم الدولة القوية، الدولة التي تحرص على ان تخدم مواطنيها بصرف النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم قبل ان تحكمهم، عبر مبدأ الحقوق والواجبات.
قوة الدولة لاتتمثل بوجود الحاكم المستبد والطاغية الديكتاتور، الذي يجير ويسخر كل شيء في المجتمع له ولحزبه وللدائرة المحيطة به.
لانحتاج نحن العراقيين ان نعود الى الوراء ونقلب صفحات التأريخ ونبحث في بطون الكتب لنعثر على مصاديق تثبت لنا حقيقة ان الدولة القوية ليست بحاكمها، وانما بقوانينها وآليات وسياقات ادارة شؤونها، وكيفية رعاية مصالح رعاياها، ولسنا بحاجة الى ان نذهب بعيدا للبحث عن امثلة حية على النتائج الكارثية التي خلفتها انظمة التسلط والاستبداد على شعوبها ومجتمعاتها، لان التجربة المؤلمة التي عشناها لعقدة عقود من الزمن هي ابلغ مثال ونموذج
|
|