قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

مَن حُلقت لحية جارٍ له! ؟
عبد النبي العطار
إذا كان السيد ساركوزي يرى نفسه معنياً بما يجري في تونس، وإذا كانت السيدة كلينتون ترى أنه من حقها أن ينتابها القلق على مصلحة الشعب المصري والتونسي وسلامته، وإذا كان السيد بان كي مون يجد أن من واجبه مشاطرة التونسيين والمصريين مصاعبهم، أقول إذا كان كل هؤلاء الأجانب يرون أن عليهم مشاركة الشعب التونسي والمصري همه ووجعه، فنحن المسلمين وخاصة العرب، لدينا الكثير والكثير مما يضعنا معه في خانة واحدة ويجعلنا نتداعى معه بالسهر والحمى. وإذا كان الرابط الثقافي والديني والعرقي من القوة ما يجعلنا نحمل هم ما يجري، فالواقع الجيوسياسي يوجب علينا التفاعل بصورة إيجابية وواقعية، لأنه يبدو أن أحجار الشطرنج بدأت في التساقط، والمثل يقول (من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته)،وهذا ما يلاحظه المتابع للإعلام الغربي، عندما يلمس مدى القلق الذي بات يلف دوائر صنع القرار في الغرب، ومدى الارتباك الذي تعانيه وزارات الخارجية في أغلب دول الغرب. ففي الوقت الذي استسلمت فيه تلك الدوائر إلى النتيجة الواضحة لمجريات الأمور في تونس ومصر، حيث إن ما جري هناك ثورة تغييرية بكل المعايير وان القضية ليست فقط (خبزاً وماء)، بل فوقها (لا لمبارك وزين الفاسدين)، و بمعنى آخر: لا لنظامهما فـ(الشعب يريد اسقاط النظام) ووممارساته وسياساته، وأولاها حكم الشعب بالحديد والنار والغس والخداه والتزوير، وهي السياسة التي طالما رفضها الغرب في العلن، وشجع - بل وساعد - عليها في السر.. أقول في هذا الوقت نفسه نجد أنها تحاول من الآن بذر جذور مصادرة الثورة، عبر تأييد بقايا النظام البائد في تونس (وهي تحاول في مصر ايضا) للسيطرة مرة أخرى على مقدرات البلد، وفي حال فشلهم في ذلك، فبديلهم الكلاسيكي هو إلقاء البلد في اتون الفوضى وعدم الاستقرار، وهنا الرهان على وعي الشعبين التونسي والمصري، وأعتقد أنه رهان رابح.
قلق الغرب الحقيقي لا يتوقف على ما يجري في تونس ومصر، بل يتعداه، وربما بصورة أشد إلى ما يمكن أن تصدره هذه الثورة إلى جاراتها في أفريقيا، وصولاً إلى بلاد اخرى في المنطقة، وربما غيرها، حيث الظروف واحدة وقسوة الممارسات تتشابه في أشكالها، والفساد لا يكاد يفرق عما هي عليه الحال في تونس ومصر، وإذا كانت مصيبة الغرب في خسارة انظمة حكم في تونس وغيرها كبيرة فربما المصيبة أعظم عندما تتداعى أحجار الشطرنج، واحد تلو الآخر لتصل إلى حدود الكيان الصهيوني، وهنا مكمن القلق الغربي والصهيوني معاً عندما تنهار استثمارات ثلاثة وثلاثين عاماً - منذ اتفاقيات كامب ديفيد - في لحظة واحدة، وكأن الكيان الصهيوني لا يكفيه صداع (حزب الله) في الشمال وغزة في الجنوب، حتى تأتيها المصائب من باقي الجهات، وهذا ما عبرت عنه السيدة كلينتون بكل صراحة في زيارتها الأخيرة للمنطقة عبر نصائحها (المخلصة) لبعض الأنظمة العربية، عندما طالبتهم بالمزيد من الشفافية في التعامل مع الشعوب، والالتفات إلى حاجات الجماهير، حيث ختمت كلامها بــ (وإلا)!.
مخطئ من يعتقد أن قضية الثورة التونسية والمصرية هي مجرد قضية خبز وماء - على أهمية هذا الأمر - بل هي في واقع الأمر قضية كرامة الإنسان وحرية البشر وحقه في أن يقول (لا) لمن يشاء ساعة يشاء، ثم يبيت في بيته بين عياله، لا في المعتقل. إنه امتحان اجتازه الشعب في تونس ومصر بجدارة. والسؤال الآن: ماذا في شأن باقي الشعوب؟ الجواب في يد تلك الشعوب، وليس في يد أحد آخر.