قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

شتاء غارق. . وصيف لاهب
د.الشيخ خالد الملا
الكثير من بلدان العالم وخاصة عالمنا الإسلامي حيث يخرج المؤمنون جماعات في فضاء الارض يقفون أمام الله تعالى متضرعين يصلون صلاة الاستسقاء المعروفة عند أهل الفقه والشريعة وهذه الصلاة كما هي معلومة تُصلى لأجل أن يُنزِل الله الغيث مطرا من السماء ليُحيي الأرض بعد موتها وهذه من نعم الله علينا، ونعمه كثيرة لا تعد ولا تحصى، أما في العراق فقضيتنا تختلف عن العالم الذي حولنا. ففي العراق ليس هناك أمطار كثيفة كما هو في كثير من البلدان فقد ذهبت إلى لبنان لأيام متعددة وبقيت كل هذه الأيام وكان المطر ينزل على بلدهم غيثا كما ينزل الماء من الميزاب. لا تقل أرضهم جبلية وهناك ارتفاعات وانخفاضات، فقد رأيت المجاري حتى على سفوح الجبال، فهذه حجة واهية وعجز في الأعمال.
والمطر خير على الناس، أما في بلادنا العراق فإذا جاء المطر وقع الضرر ففاضت البيوت وسقطت وامتلأت الشوارع وازدحمت وتوقفت الحياة واندثرت وغدت الساحات وانطمرت أهوارا وبِركاً، والعذر موجود ومقبوح ومردود على ألسن بعض المسؤولين محليين ومركزيين ليقولوا.. والمواطن المنكوب يسمع !!، المجاري مسدودة وشبكات الأمطار والصرف الصحي معطلة والميزانية لم تأتِ او اتت ولم تُصرف، وغيرها من الأعذار الجاهزة، وهذا كلام نسمعه باستمرار عن أي خلل وفي إخفاق أي خدمة دون أن نبحث في الأسباب التي عطلت هذه الخدمات لنصل إلى نتيجة تحقق توفير الخدمات المفقودة ونحن نعيش أجواء حكومات مركزية متعاقبة ومحلية متهالكة على جمع الأموال والمزيد من الامتيازات وفي بعض الأحيان تحولت بعض مجالس المحافظات إلى ساحة صراع وعناد فيما بينهم وبين المركز والمواطن الذي أوصلهم بصوته هو الذي سيدفع الثمن..
وهنا أسجل خالص تحياتي التي أقدمها للسادة أعضاء مجالس المحافظات في العراق كله والى حكومتنا المركزية لكننا في المقابل نطالبهم بتنفيذ وعودهم لأبناء الشعب من خلال إعمار المدن وإنشاء مؤسساتها وتصليح مجاريها ولا نريد جواباً كلاسيكياً وإلاّ اتهم الشعب الحكومات بالوعود الكاذبة وقالوا في حقهم متألمين كما قال الأعرابي لأخيه اليثربي : ((وعدت وكان الخلف منك سجية ـ مواعيد عرقوب أخاه بيثرب)).. فلا أتمنى أن تكون الوعود وهمية من السادة المسؤولين وسجية وطبعا يتلبسهم أو يتقمصهم لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في الحديث (آية المنافق ثلاث.. إذا وعد أخلف) والآية بمعنى العلامة والسمة لأننا بصدق نحن أمام أخفاقات في الخدمات المقدمة إلى المواطن فالناس غرقوا بسبب الأمطار التي وقعت في جنوب ووسط العراق وبغداد، وقد تناقلتها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فإلى متى سنبقى نعاني من شيء اسمه إصلاح شبكات المجاري؟. هل هو وصول من قبل المسؤولين إلى سطح القمر أم أن الأمر أصعب من ذلك؟!. نريد أن نفهم، نعم هناك أعمال وخدمات تقدم لا ننكر هذا لكن هل هي بالمستوى المطلوب الذي يليق بتضحيات أبناء الشعب العراقي؟، الجواب كلا وألف كلا!!!.
وما أن ينتهي الشتاء وتغادر سماء العراق السحاب والأمطار حتى ندخل إلى الصيف اللاهب الذي يحرق الأرض سخونة وقساوة وهذه أجواء حارة لاهبة سوف تؤثر على وجود وعمل الطاقة الكهربائية الكافية وتضعف إنتاجها وتربك توزيعها ويجلس المواطن حائرا يبحث عن سبب يشفي له غليله ويخفف عنه سخونة الجو الهالك والخارطة أمامنا لا تبشر بالخير الكثير !! لأننا أمام فترة ليست بالقصيرة لتهيئة الأجواء وتشغيل الكهرباء فسوألي إلى الحكومات المحلية وحكومتنا المركزية المشكلة من توافقات وطنية إلى متى سيبقى المواطن بين المطرقة والسندان؟. إلى متى يبقى يتحمل قساوة هذه الأعباء؟، وانتم تعرفونه أنه شعب صبور ولكنه لا ينسى حقه، وتذكروا جماهير البصرة حينما خرجوا مطالبين بحقهم بوجود الكهرباء وتذكروا كيف خرج أهالي منطقة الحسينية احتجاجا على سوء الخدمات وتفشي الفساد الإداري والمالي، فالظلم يؤدي إلى خراب العمران، وأخشى بحق أن يزداد غضب الناس عليكم وأنا ناصح أمين لكم لأني أتحدث إليكم في أجواء خطيرة تعصف بالمنطقة وخاصة في مصر وجميعنا يرى ويتابع غليان الشعوب كيف لم تستطع أن توقفها ماكنة التسلط والظلم، بل أن حلفائهم الأمريكان قد تخلو عن نظام الرئيس المصري وما خفي من اتصالات بينه وبين الأمريكان كان أعظم فإنهم يتخلون عن حلفائهم في ساعات حرجة كما تخلوا من قبل عن حكم شاه إيران البهلوي الدكتاتوري التسلطي ورأيناهم بأم أعيننا كيف تخلوا عن نظام صدام وألقوا به في مزابل التاريخ غير مأسوف عليه!!.
وأنتم أيها السادة المسؤولون تعلمون جيدا أنكم قد (سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) هذا كلام الله تعالى يحدثكم بأوضح العبارات سكنتم في مساكنهم فاتقوا الله في شعوبكم وقدموا لهم حقهم كاملا غير منقوص. و اسمحوا لي أذكركم بمطلع قصيدة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي حين قال في قصيدته المشهورة ((إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر. فويل لمن لم تشقه الحياة من صفعة العدم المنتصر واثني في هذه المناسبة على ما قاله رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي وأتمنى أن يكون "واقعا على الأرض"، حين قال لا توجد حصانة لأي مسؤول وجميع المقصرين سيحاسبون. أقول هنا متى نرى وزيرا للكهرباء أو الأمن أو الصحة أو أي وزير يوضع في قفص الاتهام لأنه حنث في يمينه وقصر في واجبه وإنا لناظره قريب، وسوف ينتهي عمر هذه الحكومة وتأتي غيرها فاتعظوا يا أولي الألباب وقدموا لشعبكم وأشعروه بصدقكم وفقكم الله لكل خير وصلاح ورفع عنكم لهيب الصيف وبرد الشتاء.