بين مصر وعراق 1991
|
سالم مشكور
عمدت غالبية الأقلام العراقية التي تناولت الحدث المصري، إلى عقد مقارنة بينه وبين الحدث العراقي الذي تكلل بسقوط نظام صدام في التاسع من نيسان 2003... والأقرب إلى الواقع هو مقارنة ما جري في مصر بما حدث من انتفاضة شعبية عراقية في آذار 1991 انتهت بمجزرة فظيعة راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء. كانت تلك انتفاضة شعبية عفوية كما هي انتفاضة المصريين اليوم.لم يخطط لها حزب ولم يقدها أحد فكان ذلك أحد أسباب فشلها. الانتفاضة المصرية لا تبدو هي الأخرى تحظى بقيادة منظمة لكن الفرق هنا هو طبيعة النظام السياسي الحاكم وكذلك موقف الجيش المصري،فالمسؤولون بدءا من الرئيس مبارك كانوا يؤكدون رضوخهم لحق الشعب في التعبير عن رأيه وطرح مطاليبه، وجهودهم كانت منصبة على كيفية المناورة وكسب الوقت سعيا وراء إرضاء الناس باصلاحات ترقيعية بدل مطلبه بتغيير النظام ككل.
الآلاف يتجمعون في ميدان التحرير وسط القاهرة كما في باقي المدن الكبرى ويهتفون مطالبين برحيل مبارك ونظامه، فيرد الاخير بحل الحكومة وتقديم الوعود بالإصلاح. الجيش ينزل الى الشارع مع تأكيد بأنه يتعاطف مع مطاليب الناس ليحمي المؤسسات العامة ومنظر الضباط والجنود وهم يصافحون المتظاهرين يثلج الصدور.
نتابع كل ذلك ونتذكر ما حدث في الانتفاضة الشعبانية العراقية وكيف تعامل النظام مع جحافل المنتفضين الخارجين من حربين مدمرتين، عدتهم خونة وعملاء وأصدر أوامره بإبادتهم جميعا فكانت المجازر التي يعجز عن وصفها القلم. الجيش (الوطني) الذي نتغنى به كل 6 كانون الثاني كان أداة البطش. لم يكن الجميع مجبرين فكثير منهم بطش أقوى وأكثر مما طلب منه إمعانا في الولاء لـ(القائد) وطمعا في نوط شجاعة أو (برازيلي).
. وفي انتفاضة العراقيين عام 1991 تكالبت قوى إقليمية وأخرى دولية ضد المنتفضين. السعوديون حشدوا أنصارا إقليميين لاقناع الادارة الاميركية بدعم صدام بحجة أن سقوطه يعني تمدد إيران داخل العراق. وبالامس يتصل العاهل السعودي بالرئيس المصري ويبدي تضامنه معه، وسفارته في واشنطن تنشط لإقناع الإدارة بضرورة دعم القيادة المصرية.
الشعب المصري المنتفض ليس شيعيا ليجري التخويف به من نفوذ إيراني، لكن حجة أخرى كانت جاهزة وهي ان السماح بانهيار نظام مبارك يعني إنهيار محور (الاعتدال) لصالح محور (التشدد) الذي يضع اتفاقية كامب ديفيد في مهب الريح. هذا وحده كان يكفي دافعا لواشنطن لمنع الانهيار السياسي في مصر لتنصب الجهود على الدفع باتجاه إصلاحات تمتص الغضب الشعبي. في الانتفاضة الشعبانية حافظوا على النظام دون الحاجة الى إصلاحات داخلية، لان حجم البطش الرسمي المدعوم إقليميا ودوليا كان كافيا لإسكات العراقيين. أحد أوجه الشبه بين انتفاضتي العراقيين عام 1991 والمصريين هو ان نظام صدام تمسك بالسلطة وراهن على القوى الخارجية والتناقضات الاقليمية والدولية فنجح، تماما كما حاول النظام المصري مراهنا على ذات العوامل، لكن زمام الأمور فلتت من يد النظام كما من الأميركيين، بالضبط كما حدث لشاه إيران عام 1979.
|
|