الولاء لأهل البيت والأمة التي تصنع التاريخ
|
*يونس الموسوي
لو كان إلتزامنا وتمسكنا بالرسول وآل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كما كان عليه الصحابة الأوائل لما وصلت إليه أوضاعنا إلى ما نحن عليه اليوم من التشرذم والتفرق والتفكك، فقد كان الولاء لآل بيت النبوة يمنح الأمة القوة والعنفوان على صنع التاريخ وتسجيل الملاحم والبطولات كما فعل ذلك عمار بن ياسر و أبوذر الغفاري، ومالك الأشتر وحجر بن عدي والطرّماح وحبيب بن مظاهر و،. القائمة تطول، وكل واحد منهم كان رجلاً في أمة يصنع التاريخ ويكتب كلماته بأحرف من نور.
وكان بينهم سعد بن معاذ وهذه قصته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم وأهل بيته:
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم مجتمعاً بالمسلمين يحدثهم عن الجنة والنار وعن فضائل شهر رمضان وشهر شعبان ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عباد الله فكم من سعيد بشهر شعبان في ذلك، وكم من شقي هناك، ألا أنبئكم بمثل محمد وآله؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، وآل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور.
وعلي بن أبي طالب عليه السلام في آل محمد كأفضل أيام شعبان ولياليه، وهو ليلة النصف ويومه، وسائر المؤمنين في آل محمد كشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله وطبقات، فأجدّهم في طاعة الله أقربهم شبهاً بآل محمد.
ألا أنبئكم برجل قد جعله الله من آل محمد كأوائل أيام (رجب من أوائل أيام) شعبان؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: هو الذي يهتز عرش الرحمن بموته وتستبشر الملائكة في السموات بقدومه، وتخدمه في عرصات القيامة وفي الجنان من الملائكة ألف ضعف عدد أهل الدنيا من أول الدهر إلى آخره ولا يميته الله في هذه الدنيا حتى يشفيه من أعدائه ويشفي صاحباً له، وأخاف الله مساعداً له على تعظيم آل محمد.
قالوا: ومن ذلك يا رسول الله؟
قال: ها هو مقبل عليكم غضباناً، فاسألوه عن غضبه، فإن غضبه لآل محمد خصوصاً لعلي بن أبي طالب عليه السلام.
فطمح القوم بأعناقهم وشخصوا بأبصارهم، ونظروا، فإذا أول طالع عليهم سعد بن معاذ، وهو غضبان فأقبل فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: يا سعد أما إن غضب الله لما غضبت له أشدّ، فما الذي أغضبك؟ حدثنا بما قلته في غضبك حتى أحدثك بما قالته الملائكة لمن قلت له، وما قالته الملائكة لله عزوجل به.
فقال سعد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينما أنا جالس على بابي، وبحضرتي نفر من أصحابي الأنصار، إذ تمادى رجلان من الأنصار، فرأيت في أحدهما النفاق فكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن يزداد شرهما حتى تواثبا إلى أن جرد كل واحد منهما السيف على صاحبه، فأخذ هذا سيفه وترسه، وهذا سيفه وترسه وتجاولا وتضاربا، فجعل كل واحد منهما يتقي سيف صاحبه بدرقته، وكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن تمتد إليَّ يدٌ خاطئة، وقلت في نفسي: اللهم انصر أحبهما لنبيك وآله.
فما زالا يتجاولان ولايتمكن واحد منهما من الآخر إلى أن طلع علينا أخوك علي بن أبي طالب عليه السلام فصحت بهما: هذا علي بن أبي طالب، ألا توقراه؟! و تكافا - تتركا النزاع- فهذا أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأفضل آل محمد.
لما سمع أحدهما مقالتي رمى بسيفه ودرقته من يده، أما الآخر فلم يحفل بذلك، فتمكن لاستسلام صاحبه منه، فقطعه بسيفه قطعاً أصابه بنيف وعشرين ضربة، فغضبت عليه و وجدتّ – غضبت- من ذلك وجداً شديداً، وقلت له: يا عبد الله بئس العبد أنت! لم توقر أخا رسول الله، واثخنت بالجراح من وقره، وقد كان ذلك قرناً كفياً بدفاعك عن نفسه، وما تمكنت منه إلا بتوقيره أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما الذي صنع علي بن أبي طالب عليه السلام لما كف صاحبك وتعدى عليه الآخر؟ قال: جعل ينظر إليه وهو يضربه بسيفه، لايقول شيئاً، ولا يمنعه ثم جاز وتركهما، وإن ذلك المضروب لعله بآخر رمق. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا سعد لعلك تقدّر – ظننت- أن ذلك الباغي المعتدي ظافر؟ لا يغنم من ظفر بظلم، إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنياه، إنه لايحصد من المر حلو، ولامن الحلو مر.
وأما غضبك لذلك المظلوم على ذلك الظالم فغضب الله له أشد من ذلك وغضب الملائكة على ذلك الظالم لذلك المظلوم وأما كف علي بن أبي طالب عليه السلام عن نصرة ذلك المظلوم، فإن ذلك لما أراد الله من إظهار آيات محمد في ذلك، لا أحدثك يا سعد بما قال الله وقالته الملائكة لذلك الظالم ولذلك المظلوم ولك، حتى تأتي بالرجل المثخن – المصاب- فترى فيه آيات الله المصدّقة لمحمد.
فقال سعد: يا رسول الله، وكيف آتي به وعنقه متعلقة بجلدة رقيقة ويده ورجله كذلك، وإن حركته تميزت أعضاؤه وتفاصلت؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سعد إن الذي ينشئ السحاب ولاشيء منه حتى يتكاثف، ويطبق أكناف السماء وآفاقها ثم يلاشيه من بعد حتى يضمحل فلا ترى منه شيئاً لقادر أن يؤلفها – تلك الأعضاء الموزعة- من بعد، كما ألفها إذ لم تكن شيئاً.
قال: سعد صدقت يا رسول الله.
وذهب فجاء بالرجل و وضعه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بآخر رمق فلما وضعه إنفصل رأسه عن كتفه، ويده عن زنده، وفخذه عن أصله.
فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرأس في موضعه، واليد والرجل في موضعهما، ثم تفل على الرجل، ومسح يده على مواضع جراحاته وقال: اللهم أنت المحيي للأموات، والمميت للأحياء، والقادر على ما تشاء وعبدك هذا مثخن بهذه الجراحات لتوقيره أخي رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام، اللهم فأنزل عليه شفاء من شفائك، ودواء من دوائك، وعافية من عافيتك.
قال: فو الذي بعثه بالحق نبياً، إنما لما قال ذلك إلتأمت الأعضاء، والتصقت وتراجعت الدماء إلى عروقها، وقام قائماً سوياً سالماً صحيحاً، لابلية به، ولايظهر على بدنه أثر جراحة، كأنه ما أصيب بشيء البتة – مطلقاً-.
ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على سعد وأصحابه فقال: الآن بعد ظهور آيات الله لتصديق محمد، أحدثكم بما قالت الملائكة لك ولصاحبك هذا ولذلك الظالم، إنك لما قلت لهذا العبد، أحسنت في كفك عن القتال توقيراً لعلي بن أبي طالب عليه السلام أخي محمد رسول الله، كما قلت لصاحبه: أسأت في تعديك على من كف عنك توقيراً لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد كان لك قرناً كفياً (كفواً) قالت الملائكة كلها له: بئس ما صنعت (يا عدو الله) وبئس العبد أنت في تعديك على من كف عن دفعك عن نفسه توقيراً لعلي بن أبي طالب عليه السلام أخي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال الله عزوجل: بئس العبد أنت يا عبدي في تعديك على من كف عنك توقيراً لأخي محمد ثم لعنه الله من فوق العرش، وصلى عليك يا سعد في حثك على توقير علي بن أبي طالب عليه السلام وعلى صاحبك في قبوله منك، ثم قالت الملائكة: يا ربنا لو أذنت لنا لأنتقمنا من هذا المتعدي.
فقال الله عزوجل: يا عبادي سوف أمكن سعد بن معاذ من الإنتقام منهم وأشفي غيضه حتى ينال فيهم بغيته، وأمكن هذا المظلوم من ذلك الظالم وذويه بما هو أحب إليهما من إهلاككم لهذا المتعدي، أني أعلم ما لا تعلمون.
فقالت الملائكة: يا ربنا أفتأذن لنا أن ننزل إلى هذا المثخن بالجراحات من شراب الجنة وريحانها لينزل به عليه الشفاء؟
فقال الله عزوجل: سوف أجعل له أفضل من ذلك ريق محمد ينفث منه عليه وبمسح يده عليه، فيأتيه الشفاء والعافية، يا عبادي اني أنا المالك للشفاء والاحياء والاماتة والاغناء والافقار والإسقام والصحة والرفع والخفض، والإهانة والإعزاز دونكم ودون سائر خلقي.
قالت الملائكة: كذلك أنت يا ربنا.
وللقصة تتمة وتنتهي عندما يحكم سعد بن معاذ بقتل الرجل من بني قريظة وسبي نسائهم وغنم أموالهم، وقد كان ذلك الرجل الذي قتل صاحبه ظلماً وعدواناً بعد كفه عن القتال توقيراً لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه، قد إرتد عن الإسلام وعاد إلى يهوديته وكان واحداً من بني قريظة فطلب سعد بن معاذ أن يقتص منه بمثل جنايته فضربه صاحبه بالسيف بنيف وعشرين ضربة.
في مثل هذه القصة نجد نموذجاً رائعاً للإنسان الموالي المحب لرسول الله (ص) ولآل بيته (ع) والغاضب لغضبهم وهو الصحابي الجليل سعد بن معاذ عليه رحمة الله وصلواته، فقد إستحق أن يرتفع إلى هذا المستوى من العلياء بفضل ولائه لرسول الله وحبه لآل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام، فهو قد اكتسب كل تلك المزايا والرفعة والدرجات العالية التي ذكرها رسول الله في الجنان نتيجة لهذا التمسك وهذا الولاء.
والعبرة في هذه القصة هي أن تتحول قضية الولاء لرسول الله وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام) المسألة المركزية للمسلمين وعليها يختلفون ويتمايزون بل ويدخلون الجنة والنار، هذا ما نلمسه من النزاع الذي وقع بين الرجلين، فلما وصل النزاع إلى مرحلة الحسم وجدنا إنه حسم حول الولاء لأهل البيت و توقير الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأحدهم دخل معسكر النفاق والكفر، والآخر تحول إلى معسكر الرسول وآل البيت (عليهم السلام) هذا ما شهدت عليه ملائكة الرحمة وشهد به الباري عزوجل.
|
|