حلف الفضول في القرن الحادي والعشرين
|
*طاهر القزويني
لقد كان الناس في عهد الشرك والجاهلية يتحالفون على الحرب والأموال والثمار، فكانوا يرتكبون الظلم والفواحش ولايتورعون عن القيام بأي فعل شنيع، حتى حصل أن ذات يوم جاء رجل من اليمن فباع سلعة إلى العاص ابن وائل في مكة، فأكل عليه الثمن، ولما وجد الزائر اليمني نفسه وحيداً لا أحد يدافع عن حقه، صعد جبل أبي قبيس وقريش في مجالسها حول الكعبة فنادى بشعر يصف فيه ظلامته رافعاً صوته منادياً:
يا للرجال لمظلوم بضاعته
ببطن مكة ناس الحي والنغير
إن الحرام لمن تصت حرامته
ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
فمشت قريش بعضها إلى بعض وكان أول من سعى في ذلك الزبير بن عبد المطلب بن هاشم واجتمعت قريش في دار الندوة وكانت للحل والعقد وكان من بين الذين اجتمعوا بنو هاشم وبنو عبد المطلب وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة، وبنو الحارث بن فهر فاتفقوا على أنهم ينصفون المظلوم من الظالم، فساروا إلى دار عبدالله بن جدعان فتحالفوا هنالك، ففي ذلك يقول الزبير بن عبدالمطلب:
حلفت لنعقدن حلفاً عليهم
وإن كنا جميعاً أهل دار
نسميه الفضول إذا عقدنا
يعزبه الغريب على الجوار
ويعلم من حوالي البيت أنا
أباة الضيم نهجر كل عار
وهذا هو حلف الفضول الذي فاخر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامتدحه، وحقاً كان حلفاً قد شهدت له العرب جميعاً بفضله ورفعته بين بقية الأحلاف التي كانت تعقد من أجل المصالح المادية، وقد برز هذا الحلف بين الأحلاف في تاريخ العرب ذلك أنه الحلف الوحيد الذي عقد من أجل نصرة المظلوم واحقاق الحقوق بين أمة العرب بعد ما كادت القيم والمبادئ أن تندثر تحت سطوة العنف والطغيان الجاهلي.
وقد أوقد هذا الحلف مصباحاً للحق في ظلام الجاهلية المعتم، وقد ازدادت أشعته نورانية في قلوب الناس جميعاً، ذلك أنهم كانوا يشعرون بالحاجة إلى مثل هذه الأحلاف والعقود التي كانت تمثل الضمانة لإقرار القوانين والشرائع التي تهم أفراد الأمة وتمس مصائرهم.
لقد تمكن أهل الفضول إسترجاع حق ذلك الزائر اليمني الذي ما كان له ناصراً في قريش، وذهبوا إلى العاص بن وائل وفرضوا عليه إنصاف ذلك اليمني الضعيف، لكنهم قبل هذا وذاك نشروا قيم العدالة ونصرة الضعيف وثبتوا قيمة مواجهة الظالم في قريش بل وسائر الأرجاء، حتى أصبح حلف الفضول هو الأكثر شهرة على صعيد أمة العرب.
وما أحوجنا اليوم ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين إلى أمثال هذه الأحلاف والمعاهدات التي تعمل على بث قيم العدالة والانصاف في صفوف الأمة التي أصبحت في مؤخرة العالم من ناحية الأخلاق الإنسانية، حيث يسود القتل والارهاب والتجاوز على الحقوق بشكل منظم.
ونحن اليوم نعيش جاهلية القرن الحادي والعشرين إذ يعيش معظم الناس بعيدين عن نور العقل و هدى الدين، بل يتخوضون في الباطل وكفران النعمة، والتنكر لقيم الأخلاق والإنسانية والأمة الإسلامية تحيط بها نيران الحروب والنزاعات الأهلية في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والصومال والسودان، واليوم في العراق حيث أصبح قتل الأطفال والشيوخ والنساء بمنزلة البطولة لأناس يحملون جذور الجاهلية الأولى وخصال (ابن العاص) وأمثاله، فيما هم يدعون تمثيل الإسلام وهو منهم براء.
أقول، لوكانت مشكلتنا فقط هؤلاء الذين يربطون أنفسهم في السيارات المفخخة أو يتمنطقون بالأحزمة الناسفة، و يفجّرون أنفسهم بين الناس الأبرياء، لكانت المشكلة أقل تعقيداً، لأن هؤلاء الجهلة هم بالحقيقة ضحايا التضليل والمكر والخديعة، و ربما يمكن تنوير عقولهم وارشادهم واعادتهم الى جادة الصواب، لكن المشكلة العظمى هي في العلماء من ذوي الجهل المركب، الذين إبتليت بهم أمة الإسلام حيث يفتون بالمساجد وعبر شاشات التلفزيون والفضائيات ويبحيون قتل المسلمين لمجرد الاختلاف معهم في الرأي والفكرة.
نحن لانخاطب هؤلاء بقيم الإسلام والدين الحنيف لأنهم فهموا الإسلام بالمقلوب، ولكننا نخاطبهم بلسان الانسانية لو كانوا بشراً، ونقول لهم تعالوا وتعلموا من عهد الشرك والكفر بعض المحامد والمحاسن، إن كنتم حقاً تعتزون بالتاريخ العربي وتفخرون ببعض التقاليد والأعراف التي كانت سائدة في الجاهلية، كالكرم والشجاعة وغيرها.
تعالوا وتعلموا من حلف الفضول نصرة المظلومين، واحقاق الحق، وكسر شوكة الظالمين، فها هو شعب العراق يرزح اليوم تحت ظلم كبير على يد أناس طالما أدّعوا الأخوة العربية والغيرة على الدين وعلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، لكنهم يجدون في الوقت نفسه إن الحثّ على رفد العراق بالانتحاريين والمحاربين لزعزعة الاستقرار في هذا البلد، أمراً واجباً لايمكن التخلف عنه، فهل هناك ظلم أكبر من هذا الظلم الذي يتعرض له هذا الشعب المضطهد؟
من أي عذاب يجب أن يئن العراقي؟
أمن قوات الاحتلال التي مرت عبر البلاد العربية و وصلت الفلوجة والنجف الاشرف، وخاضت المعارك التي دمرت وقتلت ما يصعب إحصائه؟
أم من السياسيين الذين لايفكرون إلا بتوفير الأمن والاستقرار لأنفسهم وجماعتهم، وتحقيق المكاسب السياسية والمصالح الفئوية؟
أم من دول الجوار التي لا تبرح تتآمر وتدفع المليارات حتى لا يشعر العراقي بانه حقق نصراً وتقدماً بعد الاطاحة بنظام صدام؟
إن الذين يتآمرون على مصير العراق، وإن استخدموا الورقة الطائفية، إلا انهم ليسوا حريصين على مصالح الشيعة ولا السنة، لأن هدفهم هو الإبقاء على الوضع المربك في العراق، لكننا نقول لهم: أيها الناس إن لم يكن لكم دين يردعكم عن الجرائم التي تركبونها في العراق فتعلموا على الأقل من التاريخ ومن الأجداد، و حقاً قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): (ما أكثر العِبر وأقلّ المعتبِر).
|
|