قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

فهم الحسين بالحسين
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *أنور عز الدين
زار الامام الصادق جده الامام الحسين (عليهما السلام) قائلا: (أشهد انك قُتلت ولم تمت، بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك وبضياء نورك اهتدى الطالبون اليك،.).
لا نستطيع ان نهتدي الى الله سبحانه الا بالله سبحانه وبمناهجه التي وضعها، فالذين اهتدوا الى الله بغير مناهجه انما اهتدوا لشيء آخر وإن زعموا انه الله جل وعلا، فاذا بهم يجسمونه سبحانه او ما اشبه من الانحرافات، ولا نستطيع ان نهتدي الى رجال الله الا بمنهجهم وضياء نورهم، ولا نستطيع ان نهتدي الى الامام الحسين (عليه السلام) الا به نفسه.
الذين يطلبون الامام الحسين (عليه السلام) عليهم ان يطلبوه بضياء نوره لا بغيره، والا وصلوا الى شيء آخر وان ظنوا انه الحسين (عليه السلام)، فالبعض مثلا يريد ان يفهم الحسين من خلال منهج السياسة، فلا يصل اليه لانه سيصل الى احد شخصين: اما طالب سلطة وهو غير الإمام (عليه السلام)، أو لا يعرف السياسة لانه يقدم على معركة يعلم قطعاً
انه يُقتل فيها والخاسر ظاهرا فيها، وهذا غير الحسين (عليه السلام) ايضا، ولكن بضياء نور الحسين عليه السلام نفهم – مثلاً- ان الموت في منهج رجال الله هو انتصار اذا كان هو الطريق الوحيد للدفاع عن القيم وعن الامة، وبذاك النور نفهم ان الدين عطاء لا أخذ، فهناك الكثير من الناس يعيشون على الدين ولكن الحسين والحسينيين يعيشون للدين.
وقد احيط بالحسين قبيل خروجه العديد من الناس الذين جاؤوه في صورة الناصحين ايضا، من الذين لا يفهمون الدين عطاء، ولا ينظرون الى الحسين بضياء نوره، وكانت افكارهم صحيحة وربما رائعة ايضا ولكن ضمن حسابات الأخذ وليس العطاء، وضمن نظرتهم غير الحسينية للامور، فالحسين لم يكن يجهل تقلب الكوفة واهلها، كما قال له الناصحون، ولم ينس غدرهم بأبيه وأخيه من قبل، ولم يجهل طرق النجاة - مع الاحتفاظ بموقف المعارض- كاللجوء الى غير العراق، او إرسال ممثلين عنه حتى اذا استتب لهم الأمر ذهب اليهم، ولم يكن جاهلا وحاشاه بكل النصائح التي تبدو ذكية في منطق الحسابات العادية، لكنها تبدو ساذجة امام منطق الحسين (عليه السلام)، فقد حوت النصائح كل شيء الاّ روح الحسين و روح الدين، وهو العطاء لا الاخذ، حبّ الناس، وهل الدين الا الحب، والعمل معهم مهما كانت السوابق، بل والاستعداد للتضحية من اجلهم ونيابة عنهم اذا تقاعسوا او انقلبوا على من رفع راية انقاذهم! الاهتداء بضياء نور الحسين (عليه السلام) مرحلة ايمانية متقدمة لا يصلها الا من أخلص الإيمان والود لأهل البيت (عليهم السلام). وكلما زاد ايمانا و ودا ازداد فهما وادراكا للحسين، وبدون ضياء نور الحسين لا يمكن ان نفهم الكثير من مجريات كربلاء، بل ربما إعتبرناها ضربا من الجنون او التهور.
أحد أصحاب الحسين (عليه السلام) يخلع لامة حربه ويذهب مجردا لثلاثين الف سيف تنتظره وعندما يقول له صاحبه هل جُننت، يقول: حبّ الحسين اجنني! وهذا قد يشير الى ان اصحاب الحسين (عليه السلام) كانوا انفسهم على درجات، فمن سأل هذا النصير للحسين (عليه السلام) يبدو في درجة دونه في فهم الحسين، وان كان هو الآخر في مرحلة متقدمة لكنها دون المرحلة التي وصلها نافع، وبدون ضياء نور الحسين لا نستطيع ان نفهم، لماذا لم يشرب ابو الفضل العباس (عليه السلام) الماء وهو عطشان لثلاثة ايام وهو قد ملك شريعته؟ على الأقل لكي يقوى على الاعداء! ولماذا أضر بنفسه عندما منعها من الماء وهو يستطيع ان يشرب، وغيرها من التساؤلات التي يوردها الذين يطلبون الحسين بغير ضياء نوره، ان الوفاء وحده لا يستطيع ان يفسر لنا موقف العباس (عليه السلام)، هناك أمر آخر يفهمه ضمير كل من نظر إلى كربلاء ومجرياتها بضياء نور الحسين ولن يفهمه من نظر اليها بنظرات أخرى ضاقت أو اتسعت،
ان الشعائر الحسينية لا يفهما أيضا الا من اشرق قلبه بضياء نور الحسين (عليه السلام)، ليس هذا فقط، بل سرعان ما يضعف ويتنازل ويستسلم امام هذه الضجة التي لا تهدأ من أعداء الأمة ضد هذه الشعائر، تلك الضجة التي تريد ابعادنا عن نهج الحسين، والذي يبدي تراخيا تجاه تلك الضجة ظناً منه انه يحفظ المحتوى، يسقط في وهم سحيق، ذلك ان القشر يحفظ الثمرة ومتى ما أزلنا القشرة ضاعت الثمرة، ثم إذا كان هو مستعدا للتنازل عن الشعائر فهو أكثر استعدادا للتنازل عن المحتوى، لانهم لا يطالبون الشعائر وانما هدفهم المحتوى، والا ماذا يضرهم أن نبكي ونلطم و... وما يهمهم في الواقع ما تتضمنه الشعائر من معاني ومعطيات والتزامات و روح حسينية في نفوس المؤمنين، فهم يستهدفون هذه لا تلك، لذا فان ضجيجهم على الشعائر وعينهم على محتواها!! ولو أقمنا هذه الشعائر – فرضاً- على غير الحسين لما اهتموا بل شجعونا عليها، والساذج من يظن ان همهم الشعائر فيتنازل عنها ليبدأ مسيرة التنازل الخطير عن المحتوى.
لكي نطلب الحسين لا سواه، علينا ان نفهمه بضياء نوره، ولكي نفهمه كذلك، علينا ان نسلّم بأفعاله وأفعال أصحابه تسليما ونسعى لاحيائها في أنفسنا و واقعنا.