محاضرة يلقيها.. سَمَاحَةُ المَرجِعِ الدّيني آيةُ اللهِ العُظمى السَيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسي
القرآن الكريم عنوان نظالنا وعنوان بكائنا على الحسين (ع)
|
إعداد / بشير عباس
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً* فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً* وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً* وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً* وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً* وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً* ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً"
آمنا بالله... صدق الله العلي العظيم
من منّا لا يريد ان يكون مع الشهداء والصديقين؟ ومن منّا لا يطمح ان يحظا بشفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) واستغفاره؟ كل منّا يتطلع الى ان يسمو لمرافقة النبيين يوم القيامة والحظوة برفقتهم ومجاورتهم حيث لا ظل الا ظل الله وتحت راية الحمد، ولكن بعض الناس يتمنون ان يكونوا صالحين، و يتمنون ان يكونوا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ولكنهم لا يدفعون الثمن بل ليسوا مستعدين لكي يقوموا بما يوجب لهم هذا المقام السامي، وهنا المفارقة.. فالذي يحب شيئاً ويستعد للعمل من اجل الوصول اليه، ليس كمن يتمنى شيئاً ولكنه غير مستعد للقيام بعمل يقربه الى ما يطمح اليه.
في سورة النساء يحدد لنا ربنا سبحانه وتعالى منظومةً من الواجبات تنتهي الى منظومةٍ من النتائج الإيجابية:
أولاً: يبين إنه انما يبعث الرسل والانبياء وينزل الرسالات من السماء ليس من اجل أن يتغنى بها الانبياء، وانما من اجل ان يُطاعوا "وما ارسنا رسول الا ليطاع بإذن الله"، والطاعة تعني ان الانسان يسلم امره لمن امره الله سبحانه وتعالى بالتسليم له، كما تعني ان يقهر الانسان نفسه وهواها وحبه لذاته من اجل الحق فيتبع الحق دون جدل و نقاش ما امر الله به عبر النبي. فما هي عاقبة الطاعة؟
ان من يطع الله والرسول فان الله سبحانه وتعالى يجعل الرسول شفيعاً له "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً" فاذا اطاع الانسان الله واطاع الرسول فان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سوف يستغفر له ذنوبه، ومن الواضح حينما يستغفر الرسول للانسان فان الانسان سيحظى بشفاعته.
ونحن اليوم نستقبل شهر محرم الحرام ، وكلنا أمل في ان يدخلنا ربنا في تلك السفينة الاسرع والاوسع وهي سفينة ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) لان سفينة الحسين هي الاوسع وفي لجج البحار أسرع، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى كما هو مكتوب على ساق العرش: (إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة)، فمن منا لا يريد ان ينجو من مهالك نفسه ومن مهالك دنياه وآخرته عبر الامام الحسين (سلام الله عليه)؟ ولكن لكل شيء ثمن.. فإن كنت تريد ان تكون مع الحسين، لابد ان تكون في هذه الدنيا مع الحسين.
ماذا تعني المعيّة هنا؟ إنها لا تعني ان تكون بجوار الامام الحسين، ولو ان ذلك له فضل عند الله، ولكن ان تتبع هداه وان تنتصر لدينه، إن الامام الحسين إنما انتصر لدين الله وانت تقف امام ضريحه المقدس وتقول: (اشهد انك قد اقمت الصلاة وآتيت الزكاة وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر واطعت الله مخلصاً حتى اتاك اليقين...)، إنها الاستقامة على طاعة الله سبحانه وتعالى، فالامام الحسين مُثّل له الوحي، لم يخطُ خطوة ولم يرفع رجلاً ولم يضع أخرى، بل لم يتقدم بوصة على الارض إلا بما أمره به الله سبحانه وتعالى، إذن نحن ايضاً نريد ان ندخل معه وتحت رايته ننتصر له وننتصر للدين الذي انتصر له الإمام الحسين (سلام الله عليه) وضحى بنفسه وبأبنائه وبما يملك من اجله، "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً"، لكن بعض الناس من التابعين لاهل البيت يخلطون بين فكرة واخرى، لديهم رؤية مشوشة فيضلّون الحق.. يقولون: ان فكرة الشفاعة عند اتباع اهل البيت هي نفس فكرة النصارى! كلا وألف كلا.. إذ يعتقد النصارى ان عيسى بن مريم قد قُتل حسب زعمهم وهو لم يُقتل "وما قتلوه يقيناً انما شبه لهم..." فقد قتلوا شخصاً آخر واعتقدوا انه عيسى ، و ربما كان الشخص الآخر هو الذي وشى على عيسى وقال: ان عيسى هنا فجاؤوا واخذوه بدلاً من ان يأخذوا عيسى ثم قتلوه بدلاً عن عيسى بن مريم (سلام الله عليه)، وهذا ما حصل في التاريخ، ولكن المسيح قالوا ان عيسى بن مريم قد قتل ويرفعون له شعار الصليب ويلبسون له الملابس السوداء ويعزون انفسهم بمقتل عيسى، لماذا؟ حتى يفديهم بنفسه عن ذنوبهم! بمعنى إن كل ما يفعله المسيحيون والنصارى من قتل وانتهاك للحرمات واحتلال للبلاد، كل ذلك مغفور لهم لأن عيسى بن مريم سوف يفديهم بنفسه وقد فداهم بنفسه! هذه الفكرة – فكرة الفداء- خاطئة ونحن لا نؤمن بها، إنما نؤمن بفكرة الشفاعة، وتعني أن الامام الحسين (سلام الله عليه) والنبي الأكرم وفاطمة الزهراء والامام علي والامام الحسن المجتبى وسائر الائمة (عليهم الصلاة والسلام) مضوا على الطريق الصحيح ونحن نتبعهم فإذا زلت اقدامنا قليلاً هنا وهناك، فان الله سيرحمنا ويتوب علينا بعد ان نتوب اليه بشفاعة محمد وأهل بيته (عليهم افضل الصلاة والسلام)، وهذا نص الآية القرآنية "ولو انهم إذ ظلموا انفسهم" أي اذا ارتكبوا الظلم للنفس من الكبائر او الصغائر، "جاءوك" أي يفترض أن يأتوا الى الرسول طبعاً في عهد الرسول كانوا يذهبون إليه، واليوم نذهب الى مقامه الشريف والى مسجده الى مرقده الطاهر، كما نذهب إلى مراقد الائمة المعصومين، و هذا دليل على ضروره زيارة النبي واهل بيته "جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً".
أيها الأخ الكريم: حينما تعمل خيراً.. من صلاة وصيام وجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأي خير تعمله، فانه سيكتب في صحيفة و في ورقة وتكون ضمن كتابك ، ويسمو كتاب الابرار، فإن عملت خيراً أو براً سيكتب، وهذا الكتاب سيذهب الى عليين والى مكان يحفظ فيه حتى يوم القيامة، و ربنا سبحانه وتعالى حسب هذا الكتاب سيعطيك الجزاء الأوفى، انما هذا الكتاب اذا رفع الى عليين ينبغي ان يكون تحته شهادة المقربين، "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ، كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ"، إذن، يجب ان تكون عليه توقيعات وشهادات المقربين ، وهذا معنى الشفاعة، ولولا الشهادة ولولا ان النبي يشهد لك وان الوصي يشهد وان الحسين يشهد لك و يوقع على كتابك، فانه لن يرفع هذا الكتاب أبداً، بمعنى إنه كتاب ناقص، فالشفاعة عندنا: هو عندما نفعل الخير، فانه لن يرفع الى الله إلا بعدما يُوقع، حتى الدعاء... انت الان ترفع يديك، يا الله... ويا الله.... ويا الله! لكن هذا الدعاء يُحجب، أي ثمة مكان معين يتوقف عنده هذا الدعاء، يقول النبي الأكرم: (الدعاء محجوب حتى يصلي العبد عليّ وعلى اهل بيتي)، فقبل ان تصلي على النبي واهل بيته فان الدعاء لن يرفع.
إذاً، الشفاعة هي الشهادة، والشهادة بمعنى إن فلان بن فلان عمل فلان يوم كذا عمل وهذا العمل مقبول عند الله ويوقع عليه، من الذي يوقع عليه؟! إنه النبي الأكرم وأهل بيته والآن يوقع عليه أمامنا الحجة ابن الحسن المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، ثم يقول ربنا: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً"، فلا يمكن ان يحظى الانسان بخالص الايمان الا بعد ان يعمل بقبول قضاء النبي وقضاء اهل بيت النبي وقضاء الفقهاء من بعدهم ، بمعنى اذا اختلف الناس و تفرقوا واصبحوا احزاباً وشيعاً، فان الحزب الحقيقي والشيعة الحقيقيون والفرقة الناجية هي التي تتبع الرسول واهل بيته، فاذا اختلف الناس وتشاجروا فيما بينهم، "ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" يجب أن لا يكون في قلبك حتى ادنى شك في ان قضاء الرسول هو القضاء السليم.
أيها الأخوة: إن الاختلاف أمرٌ طبيعي في البشر، وهذه الاختلافات التي نجدها في الارض كلها بحكمة الله سبحانه وتعالى ليجرب الناس بعضهم ببعض ويفتن بعضهم ببعض، ولكن الاختلاف يجب ان لا ينتهي الى الصراعات والى الاتهامات المتبادلة والى إيجاد الشقاق والنفاق بين المسلمين، بل يجب ان يبقى الخلاف تحت سقف القضاء الالهي وقضاء الله هو قضاء النبي وقضاء النبي هو قضاء الامام وقضاء الامام هو قضاء الفقيه، هذا القضاء هو الذي يحسم الخلاف، "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكومك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما"، إنه التسليم المطلق للقضاء حتى في القلب، ولا يكون هنالك حرج، إذن، أولاً: شفاعة النبي، ثانياً: القبول بقضائه، وثالثاً : "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ، وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً"، وهو بمعنى الصراط المستقيم الذي ندعو الله سبحانه وتعالى يومياً بان يرزقنا إياه "إهدنا الصراط المستقيم"، على الأقل كل يوم يقف المؤمن عشر مرات امام القبلة وفي حالة الخضوع والتضرع الى الله ويقول: (اهدنا الصراط المستقيم)، فأين هو الصراط المستقيم ؟ إن ربنا سبحانه وتعالى يقول: اذا تريد ان تصل الى الصراط المستقيم يجب ان تكون في حالة استعداد لقبول اوامر النبي و أوامر رب العالمين "ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلو انفسكم او اخرجوا من دياركم..."، أي حتى لو قال اقتل نفسك تفعل ذلك، أو جاهد عدوك ، و ينتهي الامر للقتال ، أو " اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل منهم"، إذ ليس الجميع يقبلون بهذا الكلام، "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ، وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً"، لكن أين الصراط المستقيم؟ ومن هم الذين أنعم الله عليهم؟ هنا تفسير لسورة الحمد، ربنا سبحانه وتعالى يقول: "ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم"، هناك يقول ربنا : "صراط الذين انعمت عليهم"، فمن هم؟ وهنا في سورة النساء يأتي الجواب: "مع الذين أنعم الله..." فهناك (أنعمت) وهنا (أنعم الله)، "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً".
أيها الأخوة: نحن متوجهون لاستقبال شهر محرم الحرام..
أولاً: إن شهر محرم من الاشهر الحرم، وهو واضح من اسمه، والاشهر الحرم عند الله اربعة: رجب الفرد وثلاثة، ذي القعدة وذي الحجة وهذا محرم الحرام.
ثانياً: إن بداية محرم يُعتقد انها بداية السنة الهجرية.
ثالثاً: وقعت في هذا الشهر واقعة لم يقع مثلها في التاريخ ولن يقع مثلها في التاريخ في المستقبل أبداً، ألا وهي واقعة عاشوراء، هذه الواقعة ربما وقعت خلال أيام، لكن بعض الناس لم يفهموا كلام النبي حينما قال للحسين (سلام الله عليه): (لا يوم كيومك يا ابا عبد الله)، ولم يفهموا كلام الامام علي (سلام الله عليه)، (لا يوم كيومك أبا عبد الله)، وكان يقول هذه الكلمة كل امام وكل وصي بل حتى الانبياء السابقين، وكانوا يبينون اهمية هذا اليوم.. لكن الآن ونحن نعيش بعد حوالي الف واربعمائة من تلك الواقعة، نفهم ماذا تعني كلمات اهل البيت وكلمات النبي (صلوات الله عليهم)، فهذا اليوم هزّ التاريخ، في كل سنة يتجدد هذا اليوم، وكأن الامام الحسين (سلام الله عليه) قد استشهد في هذه السنة، وفي هذا العام بالذات نحن حينما نستقبل الذكرى، إنما نستقبل اولاً، نقطة مهمة: إن الحسين (سلام الله عليه) كان القرآن الناطق، وهذا الكتاب هو القرآن الصامت، ولا فرق حتى في حرف واحد بين القرآن الناطق والقرآن الصامت، واذا سألتني : ماذا كانت أخلاق الامام الحسين (سلام الله عليه) وسلوكه ومنهجه ؟ أقول: القرآن، فلم يشذّ عنه ولا حرف واحد، اذن لو اردنا الامام الحسين يجب أن نقرأ القرآن الكريم ، واذا اردنا ان نفسر القرآن الكريم يجب نتعرف على سيرة ابي عبد الله الحسين، فاحدهما يفسر الآخر، و هذه نقطة مهمة جداً، ولذلك نجد ان الامام الحسين (سلام الله عليه) في ليلة عاشوراء وقد ازدلف اليه ثلاثون الفاً كلهم يتقرب الى الله بسفك دمه! غير البقية الذين أتو (همج الرعاع اتباع كل ناعق) الذين يقال انهم وصلوا في فترة من الفترات الى مليون انسان حسب بعض التواريخ، فحاصروه في تلك الليلة ومنعوا عنه وعن أهل بيته.
أصوات الحزن والبكاء ينتشر في كل مكان.. طلب الإمام (سلام الله عليه) من اولئك الاعداء ان يمهلوه سواد تلك الليلة، لماذا؟! ليصلي لربه ويقرأ القرآن الكريم، كان يريد ان يودع القرآن، إن حبه لكتاب الله جعله في أية حالة...؟ رأسه على رأس رمح طويل لكنه يقرأ القرآن، و رأسه الشريف في طشت أمام يزيد وهو يتلو آياتٍ من سورة الكهف: "، بمعنى ان الحسين لا يختلف عن القرآن والقرآن لا يختلف عنه، إن هدفه ومسيرته وسلوكه وحياته كلها مع القرآن، والقرآن تفسير وتبيين لما فعله، وما فعله تفسير وتبيين لكتاب الله المجيد.
إذاً، حينما نستقبل عاشوراء الحسين، نستقبل معه القرآن الكريم، فلابد ان يكون القرآن في الحقيقة عنوان نضالنا وعنوان بكائنا على الحسين (سلام الله عليه)، فنحن نبكي على الحسين ونبكي أيضاً على القرآن الكريم، كيف هجره الناس؟ ولو كان المسلمون قد عملوا بالقرآن فهل كانوا يقتلون الامام الحسين (سلام الله عليه) بتلك الصورة؟! إذن، هجروا القرآن، حتى وصلوا الى هذه الوهدة السحيقة والعميقة.
إن الذين ينطقون باسم الامام الحسين هم العلماء والفقهاء والخطباء ، وهم الذين يبثون حزن الامام الحسين عبر الوسائل المختلفة، فهذا الذي يقيم شعيرة من شعائر الامام الحسين وهي من شعائر الله، وكل شعائر الحسين هي شعائر الله، "ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب"، وشعائر الامام الحسين ليست منفصلة عن شعائر الله سبحانه وتعالى فهو حجة الله وهو الامام المفترض الطاعة باذن الله سبحانه وتعالى، إذن فالشعائر التي تقيمها في بلدك أو في هيئة أو حسينية أو في موكب أو أي شيء آخر، وأي انسان يقيم الشعائر هو ناطق باسم ابي عبد الله وناطق باسم عاشوراء وكربلاء، لكن يجب على الناطقين باسم الحسين ان يهتموا بالقران الكريم، وأن لا يشذوا عن اوامره وان لا يشذوا عن تعاليمه، وأن يبينوا احكامه، ويجب على الناطقين باسم الحسين والذين يقرأون الزيارات المأثورة أن يعرفوا محتوى هذه الزيارات؛ كزيارة عاشوراء و زيارة وارث والزيارات المخصوصة كزيارة الاربعين و زيارة النصف من شعبان و زيارة ليلة القدر و زيارة يوم عرفة، هذه الزيارات التي هي في الحقيقة من اعمدة الثقافة الاسلامية ومن كنوز اهل البيت، وتُعد دروساً وعبراً، كما تُعد جامعة لنا ومدرسة للحكمة، وعندما نقرأ هذه الزيارات نجد فيها روح القرآن الكريم: (اقمت الصلاة واتيت الزكاة وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر...)، ومحتوى هذه الزيارات هو إقامة مملكة الله في الأرض وحكم القرآن الكريم وحكم أهل البيت، وهذا هوالطريق الصحيح، ولا يكون هنالك حكم للقرآن الكريم الا عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) لانهم هم الدعاة الى الله، فكلامهم نور و وصاياهم التقوى وأمرهم رشدٌ وفعلهم الخير، فهذا طريقهم وهذا مسلكهم، وهذا الصراط المستقيم، أما الذي يذهب يميناً ويساراً لن يصل الى الهدف مطلقاً، وأياً كان، يقول الامام الصادق (سلام الله عليه): (ليشرق الحكم وليغرب فلن يجد العلم الا هنا)، أي عند اهل بيت النبوة (عليهم افضل الصلاة والسلام).
لنا وصايا الى الاخوة وبالذات الاخوة الذين لديهم هيئات حسينية التي هي في الحقيقة تُعد ركائز اساسية لحركة الامة ونهضتها، و ركائز اساسية للامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أيها الأخوة.. إن أي انسان مسلم موالٍ لاهل البيت ينبغي ان ينتمي الى هيئة حسينية ولا اقول يجب، ولكن أقول ينبغي لماذا؟ لانك عندما تسجل اسمك في هيئة حسينية وفي أي شكل من الاشكال سواء أكان موكب لخدمة الزائرين أم هيئة لاعلاء شعائر الدين او أي شيء أخر، فانك إنما تسجل اسمك في قائمة انصار أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) وتحقق ما قلته وتقوله ابداً للشهداء الابرار في كربلاء (... فيا ليتني كنت معكم فافوز معكم فوزاً عظيماً)، فمن أين ياتي الفوز العظيم؟ إنه ياتي من اتّباع أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، و أن اكون من انصاره، وبمعنى أنه لو كنا ذاك اليوم لكنا ان شاء الله من المبادرين في نصرة الامام الحسين (سلام الله عليه)، ولكن الدهور اخرتنا، واذا أخرتنا الدهور واتينا اليوم متأخرين عن فاجعة كربلاء، فلا يعني ذلك ان يفوتنا الثواب، بل لابد ان ندخل في اطار خدمة ابي عبد الله الحسين عبر هذه الهيئات، لذا فالذي من المهم جداً أن يسجّل الواحد منّا اسمه، لا يفوتنا هذا الثواب والشرف والحمد لله نحن نفتخر على العالم حينما نجد ابناء الشعب العراقي وكثير من الشعوب الاخرى لديها اهتمام شديد بهذه الهيئات، بطريقة او باخرى، وقد يكون الرجل قد بلغ من العلم ما بلغ، وبلغ من المال ما بلغ، و وصل الى رتب عالية، لكنه يأبى أن يأتي ويسجل اسمه ويخدم، كان هنالك وزير شاهدوه في التلفزيون في يوم من الايام وهو يرتب الأحذية في إحدى الهيئات أو الحسينيات، فسألوه انت وزير؟! قال: انا وزير هناك في مكتبي، أما هنا فانا خادم للحسين سلام الله عليه، وانا رأيت بعيني بعض علماء النجف الاشرف في السنوات الخوالي، في كربلاء المقدسة ياتون الى كربلاء يوم عاشوراء ويحمل بعضهم الماء و يوزعه على الزوار، فقلت: سيدنا.. شيخنا.. هذا ليس في مقامك! قال: كلا، أريد ان اخدم زوار الحسين سلام الله عليه، وهذا في الحقيقة شرف لنا.
لكن مع ذلك أيها الأخوة.. لا يسعني إلا ان اقدم بعض التوصيات:
1- الهيئة الحسينية يجب ان تكون وعاءً لكل ما كان يؤمن به الحسين (سلام الله عليه)، بمعنى أن الهيئة الحسينية ترفع في أيام عاشوراء راية الامام الحسين يرفعون، و يقومون بأي شعيرة من الشعائر حسب وضعهم، وهذا شيء معقول، لكن هل ينسون هذه الشعائر؟ كلا، بل يبقون مستمرين ومتابعين لهذه الهيئة يبقون كل اسبوع يجتمعون ويقرؤون زيارة وارث أو أي زيارة اخرى ويتفقهون في الدين، فالامام الحسين وفي عزّ المعركة في يوم عاشوراء حينما ذكّره ذلك المؤمن الصالح بالصلاة، وقال له (جعلك الله من المصلين)، أقام الصلاة بشكل تامٍ، أما أن أكون من اتباع الحسين ولا أعرف كيف أصلي! فهذا غير معقول، وعليه ينبغي أن تكون في الهيئات الحسينية دروس مستمرة في التفقه في الدين.
2- معرفة القران الكريم.. فما أحلى فائدة القران الكريم؟ ويجب الاستفادة من الايات القرانية، فهذه الآية قد تنقذني يوم القيامة من عذاب عظيم، لذا يجب تعلّم هذه الاية ومعرفة تفسيرها وكيفية تطبيقها، وكذلك معرفة سيرة اهل البيت التي يجب أن نتعرف عليها من خلال الدراسة ومن خلال منابر الحسين.
3- الهيئة الحسينية.. يجب ان تكون كما كان ابو عبدالله الحسين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كما كان الإمام الحسين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حيث قال (عليه السلام): (واعلموا اني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ولأمر بالمعروف وانهى عن المنكر...)، فالهيئة الحسينية تحمل هذه الراية، أنت صاحب الهيئة عليك أن تحمل هذه الراية، (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ولا اقول بحمل السلاح او استخدم يدك كلا، إنما بالكلمة الطيبة "وجادلهم بالتي هي احسن"، إن تأثير الكلمة الطيبة عظيم، كلمة قالها الامام الحسين للحر: ياحر قُم وصلّ بجماعتك وأنا أصلي بجماعتي، هذه الكلمة أثّرت فوراً في الحر، فقال: كيف أصلي وأنت تصلي، فنحن نصلي بصلاتك يابن رسول الله، فلا تنسى الكلمة الطيبة خلال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- هذه الهيئات الحسينة يجب ان تكون خادمة للناس.. فماذا يعني (خادمة للناس)؟ أي أن تقوم هذه الهيئات بخدمة المحتاجين والارامل والايتام والفقراء وخدمة الناس ، فنحن يجب ان لا نتأخر عن خدمة الناس، فخلال دفن الامام الحسين (سلام الله عليه) في اليوم الثالث من عاشوراء من قبل الامام زين العابدين (سلام الله عليه) وجدوا في ظهره أثراً، فقال أحدهم للاخر هذا اثر الجراح لكنه لا يشبه اثر الرمح ولا يشبه اثر السيف ولا يشبه اثر الحجارة، فقال الامام زين العابدين هذا اثر الجراب التي كان يحمل ويوزع بها على الفقراء والمساكين كل ليلة، و حاشا لابي – يقول الإمام السجاد- ان يعطي قفاه الى الاعداء حتى يضربوه، ولم يستخدم الامام الحسين الا درعا واحد وهو درع ابيه امير المومنين (سلام الله عليه).
أيها الأخوة.. يجب أن تكون الهيئة الحسينة مركزاً للعطاء و للاحسان ولخدمة الناس ولبناء المساجد والحسينيات ولكل المشاريع الخيرية، هكذا نحن نسجل اسماءنا مع انصار الامام الحسين (سلام الله عليه)، ولو تصورنا وتصورتم ان هذه الهيئات بما فيها من حيوية وعنفوان وبما فيها من ايمان واخلاص وحب لاهل البيت، تحولت الى هيئات عطاء للناس وللامر بالمعروف والتفقه في الدين لكنّا ننتظر حياة طيبة إن شاء الله باسم ابي عبد الله الحسين.
كلمة اخيرة.. نحن لا يسعنا في هذه المرحلة إلا أن نقول لشيعة اهل البيت وللموالين في العراق: صبراً أيها الموالون لاهل البيت (عليهم السلام) فالاعداء لا يريدونكم كما لا يريدون اهل البيت، فهذه المصائب التي تجرى عليكم، والتفجيرات التي تقع، انما هي علامة من علامات حبكم لاهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، وانا لا اتحدث عن السياسة ولا اتحدث عن الاسباب، ولكن اعرف الاسباب الخلفية لهذه التفجيرات بان هناك حاقدين في الارض، لا يريدون للعراق وللشعب العراقي ولا الموالين لاهل البيت بان يعيشوا بسلام، لماذا؟ حقداً عليهم، وعلى أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، قال الامام الحسين في كربلاء لأولئك القوم: لماذا تقاتلوني، فانا لم اقتل منكم أحداً ولا تطلبوني بثأر، فقالوا نقاتلك بغظاً لأبيك!! لما فعل باشياخنا في بدر وحنين، فنفس البغض يتوارثه الجماعة اليوم، ونفس البغض يدفعهم الى هذه الاعمال فصبراً "ان الله مع الصابرين" ويوفيكم الله اجور الصابرين ان شاء الله بدون حساب.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان ينجي امتنا من هذه المكاره والظروف الصعبة ويرزقنا الصبر ويرزقنا الايمان والعزم وان نكون ان شاء الله تعالى في خط ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) انه سميع الدعاء.
وصلى الله على محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين
|
|