قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الجانب الرقابي في التنمية الاقتصادية
د.رحيم الساعدي
من المعروف اليوم ان دولا كبرى مثل اليابان ودول شرق آسيا والدول الأوربية تعتمد ما تسميه إدارة التجوال او الإدارة الجوالة وهو الرقابة المباشرة للعمل،والكثير منا لا يعرف ان هذه السياسة الإدارية برزت في العصر الإسلامي الأول بشكل الرقابة التي تحاول بناء المجتمع الاقتصادي بشكل سليم وما أحوجنا اليوم إلى هذه الرقابة بعد جملة من مسائل الفساد المالي والاقتصادي ،وفي العصر الإسلامي قام الإمام علي بعدة إصلاحات اقتصادية كان احدها الجانب الرقابي للسوق الإسلامية. ولقد تمثلت هذه الرقابة بمحورين الأول هي الرقابة الدينية الأخلاقية والثاني الرقابة العملية المباشرة ،والرقابة الأولى تكمن في ما رواه الإمام الباقر-ع- من أن الإمام علي كان يطوف في أسواق الكوفة فيقول قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة واقتربوا من المبتاعين وتزينوا بالحلم وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب وتجافوا عن الظلم وانصفوا المظلومين ولا تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين وهو منهج كاف بالنسبة إلى المتعاملين بالتجارة.
أما الرقابة العملية فهي رقابة أصحاب الغش بشكل مباشر فقد روى الإمام الحسين(ع) بان الإمام علي (ع) كان يركب بغلة الرسول(ص)الشهباء بالكوفة فيأتي سوقا سوقا فإذا وصل سوق القصابين أوصاهم بان لا يعجلوا الأنفس كي تزهق وان لا ينفخ في اللحم للبيع وإذا أتى سوق التمارين أمرهم ان يظهروا من رديء بيعهم ما يظهرون من جيده ويأمر السماكين أن لا يبيعوا إلا طيبا وان لا يبيعوا ما طفا (الميتة)وهكذا بالنسبة للنحاسين والخبازين…..الخ.
إن رقابة الإمام المباشرة للسوق عرفت في مشيه بالأسواق وبيده الدرة يضرب فيها من وجد من المطففين أو الغاش في تجارة المسلمين ،وعندما سأله الاصبغ بن نباته ان يكفيه هذه المهمة وان يجلس الإمام في البيت قال للاصبغ ما نصحتني يا اصبغ.فقد كان يريد ان يباشر الرقابة بنفسه وهي سمة الصالحين والمهتمين حقا لمصالح الأمة ،فباستطاعة الإمام إرسال مجموعة من الثقات ممن يعرف دينه ،إلا ان حالة اطمئنان الإمام على تطبيق النظام الإداري والشرعي هنا تصل إلى قمتها من خلال رغبته بمباشرة أعمال الناس وتوجيههم. وهذا يدل على أهمية الرقابة المباشرة أما الزاوية الأخرى المتعلقة بالأماكن البعيدة في الأقطار فقد كان(ع) يرسل إليها العيون إلى تلك المناطق.
وكل هذا يحيلنا إلى واقعنا اليوم إذ لا توجد رقابة معينة على الأسواق ،لا من ناحية اهتمام المسؤولين بالسوق العراقية ولا حتى الفئات التي كان يجب أن توظفها الدولة لرقابة السوق. ان هذا الإهمال بشكل عام أدى إلى كثرة الأمراض البدنية والنفسية ،لان الحرام يولد حراما ولان اختراق السوق العراقية بالمنتجات العديدة ذات الثمن البخس أدى إلى كوارث اجتماعية ،فاللحم الهندي الذي لا يعرف مصدرة ربما كان مصدره هو الطريقة الوحشية التي يتناولها أصحاب الموبايلات والتي تعبر عن صورة وحشية لعدد من الأبقار تفرم وهي حية وسط ضجيج أصواتها ،أما لحوم الطيور والدواجن التي تنفخ بالمواد الكيماوية لغرض زيادة حجمها فإنها تترك عند أكلها أنواعاً من الهرمونات التي تؤدي إلى اختلال النمو عند أطفالنا أو تغيير صفاتهم العامة أو تؤدي إلى زيادة في النمو لدى الفتيات بشكل خاص ،وهذا الأمر حتمي لان تلك الهرمونات تؤدي إلى زيادة شاذة في الدواجن ومن ثم فإنها ستجر إلى تغيير الطباع لدى العائلة العراقية بفعل تأثيرها ولا مثال اقرب من تأثير تلك اللحوم على المجتمعات المنفلتة التي لا تؤمن بالثبات في الأخلاق أو تستسهل الدين والمبادئ والتي لا تعير أهمية تذكر للعرف وخصوصيات المجتمع .