قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

العدل والانصاف ومكافحة الفقر ضالة الحكومات الديمقراطية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / كريم الموسوي
عندما ترنو حكومة متمخضة من ارادة الشعب، لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والامن السياسي في البلاد، فمن البديهي ان تبني القاعدة الرصينة لتضع فوقها هذه الآمال الكبيرة على امل ان تتحقق على ارض الواقع، وفي غير ذلك فانها لن ترى سوى انهيار تلكم الامال وتحولها الى ركام وبالتالي تفقد شعبيتها ثم شرعيتها، وحينئذ تحل المصيبة بالبلد والشعب.
هذه القاعدة تتكون من جملة استحقاقات جماهيرية على الحكومة والنظام السياسي الحاكم تلبيتها، في مقدمتها توفير الخدمات الاساس للحياة اليومية والحفاظ على التماسك الاقتصادي وصون الحريات الخاصة منها والعامة في الاطار المشروع. وهو ما من شأنه تعزيز التماسك الاجتماعي وفي مرحلة لاحقة تمكين الفرد او مجموعة الافراد من التقدم خطوات نحو الابداع والانتاج والتقدم في المجالات كافة.
الى هذا يشير سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب: (من عبق المرجعية): بان (الناس يستقرون في جوّ لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا إرهاب، ولا قيود ولا أغلال، ولا سجن ولا تعذيب، ولا مشاكل ولا فقر، ولذا كان العمران والرقي، والمحبّة والثقة، إبان تطبيق الإسلام أمراً عادياً لم يجده العالم في هذا اليوم).
إذن هناك شروط ينبغي أن توفّرها الحكومة للمجتمع لكي يصبح أكثر وعياً وأكثر استعداداً للتطوّر والإبداع، ومن أهم السياسات الواجب تنفيذها على الأرض سياسة العدل والإنصاف والتعامل مع الجميع وفق مقتضيات المصلحة العامة، وفي هذه الحالة تكون النتائج مؤكّدة في صالح المجتمع حيث يسود الرخاء وتعم الفضيلة، وتنتشر ثقافة العدل والإنصاف، لكن يبقى المحرّك والدافع الأول لصنع مثل هذا المجتمع هو سلوك الحكومة وسبل ادارتها للمجتمع، حيث يزول الفقر بعد أن تنتفي أسبابه من واقع المجتمع، وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه قائلاً: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل)؟
إن مجمل الاضطرابات التي تحدث في المجتمعات إنما يكون سببها غياب العدالة في التعامل الحكومي مع مكوّنات الشعب، وهذا ما أثبتته الوقائع الراهنة في الدول الواقعة ضمن منطقة الشرق الأوسط، حيث الطغيان الحكومي بلغ ذروته في هذه الدول، فهبّت الشعوب على حكوماتها كي تستعيد حقوقها وكرامتها وهو أمر لابد أن يحدث مهما كان جبروت الحكومات ودرجة قمعها لشعوبها، ففي هذه البلدان التي تشكل غالبية إسلامية، تعيش الشعوب فقيرة مضطهدة، والسبب واضح تماماً هو غياب النظام السياسي السليم، في وقت تدّعي معظم أنظمة هذه الدول بأنها تنتمي إلى الإسلام، في الوقت الذي تعجّ فيه بلدانها بالفقر والفقراء وهو ما يتناقض مع الإسلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب نفسه: (في البلد الإسلامي في وقت حكم الإسلام الصحيح، يلزم أن لا يوجد حتى فقير واحد، فالضمان الاجتماعي في الإسلام يحتم على الحاكم الإسلامي أن يزيل الفقر نهائياً). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلاً بهذا الخصوص: (كان الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه رئيس أكبر حكومة إسلامية لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة أو العدد، لأن الإمام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم، وليس في دولته فقير واحد).
إذن ليس الخلل كله في المجتمع إنما في طريقة إدارته، وفي طبيعة الحكم ومدى احتكامه إلى تعاليم الإسلام التي تنادي بالعدل والمساواة والإنصاف وحق الرأي والتكافل وما إلى ذلك من أحكام وأنظمة عملية تضمن للمجتمعات على الاستقرار والتقدم، لذا لابد أن تعي الحكومات الحالية أن القضاء على الفقر يقع في مقدمة الأولويات الواجب تنفيذها، وهذا لا يحدث ولن يتحقّق من دون التخطيط المسبق والسليم للوصول إلى هذا الهدف ناهيك عن أهمية التطبيق السليم للبرامج والخطط الهادفة إلى بناء المجتمع النموذجي. يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) ناصحاً الحكّام والحكومات في هذا الصدد: (سعادة الدنيا والآخرة رهينة مثلث، يشكل طرفاه الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة، والطرف الثالث الفضيلة).
ان مكافحة الفقر ومعالجته نهائياً يعد نصف الطريق نحو التقدم، يبقى النصف الآخر أمام افراد المجتمع لكي يضعوا الخطوات اللازمة والشجاعة على الطريق بالمبادرة نحو طلب العلم والمعرفة واكتساب التجارب والمهارات، والتحلّي بالصفات الاخلاقية والفضائل، والابتعاد عن الاجواء المسمومة والملوثة الداعية للاحباط واليأس، وهو يؤكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) ليس في هذا الكتاب انما في مؤلفاته الاخرى، كما يدعو الى ذلك معظم مراجع الدين والعلماء الرساليين. فمن الواضح ان البناء الذاتي للانسان لن يكون إلا من خلال الانسان نفسه، فالطالب والمبدع والمنتج لن ينجح إلا بجهده الذهني والعضلي، إنما الحكومة وحتى المؤسسات الاخرى تقوم بدور الممهد والمساعد لتوفير الاجواء اللازمة لنهضة الانسان وانطلاقه.
المصدر / شبكة النبأ