العقل .. أعظم الطاقات
|
*علي ضميري
من أرقى وأعظم ما وهب الله سبحانه وتعالى للأنسان وأنعم عليه العقل، بل لعله الموهبة الكبرى التي يمتاز بها ابن آدم على سائر الحيوانات، فإذا استخدمه واستثمر قابلياته بالطريقة السليمة، صار حتى أكرم وأفضل من الملائكة.
وبالتفكير الصحيح، وعبر تفعيل هذا التفكير يتسنى للإنسان تحقيق أهدافه وكذلك بالتفكير السليم يتجنب الوقوع في الأزمات والمشاكل. وقد ورد في الحديث القدسي: أن الله سبحانه حينما خلق العقل، وكان أول (من) خلق، قال الله له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال عزوجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أفضل منك؛ بك أثيب وبك أعاقب.
فالعقل إذن، أصبح بارادة الله وحكمته المقياس الأكبر للإثابة على الصالحات، والمعاقبة على السيئات وهذه الحقيقة هو ما يمليه ظاهر الحديث، وظاهر الحديث له الحجية القاطعة. فالعقل هو تلك الطاقة المودعة في الإنسان التي بها يشخص الإنسان الحسن من القبح، والصح من الخطأ والحق من الباطل وبه يمكن درك الأشياء والأمور على حقائقها.
إن استثمار طاقة العقل الجبارة أمر مفروض وواجب مطلوب لأنه النعمة العظيمة التي لايصح تعطيلها أبداً. فإذا عطلت طاقة العقل وقابلية التفكير السليم، هبط مستوى الإنسان وأضاع كرامته، وصار من المستصعب مقارنته حتى بالحيوانات، وهي المخلوقات التي ينعدم فيها العقل، إذ هي مغلوبة على أمرها بالأساس، على عكس الإنسان. ولكن من الناس من يتعمد إطفاء نور العقل الذي وهبه الله تبارك وتعالى وذلك لدواعٍ وأسباب عديدة. منها الاستسلام لسطوة الغرائز والشهوات، واستيلاء خصال التكبر والأنانية على تصرفاته وأقواله، حتى أن من الناس من لم يعد العقل قادراً على العودة إلى الحياة الطبيعية لديهم لطول وامتداد فترة انطفائه عندهم وذلك بعد بسط العواطف، - لاسيما السلبية منها- نفوذها فيهم وعليهم فتراهم يسلكون طرق الأنانية أو العنصرية أو التعجل في اتخاذ القرارات وتحديد الانتماء إلى هذه الجهة أو تلك بفعل الغضب أو الجهل أو المصلحية، أو كل ذلك وأمثاله.
ولاريب أن من الأشخاص من لا يجد الفرصة الكافية لاستثمار طاقات العقل بالشكل المطلوب والصحيح، تبعاً لما يجد من الحرمان من التربية الصحيحة، سواء تحت سقف الأسرة، أو تحت المظلة الإجتماعية، وعدم حصوله على التعليم الكافي.
ثم إن هناك من يخطأ، فيتصور العقل على أنه مجرد الذكاء، أو القدرة على حفظ المعلومات وهذا قد يكون في كثير من الأحيان خطأً قاتلاً، إذ الذكاء أو الذاكرة جانب من جوانب العقل، أو لعلهما من أفعال العقل دون حقيقته.. ومعلوم أن من يتجاهل جوهر العقل يسقط في متاهات يصعب الخروج عنها والتخلص منها، كمتاهة الغرور والتكبر والجهل المركّب، وكم من ذكيّ قد أدى به ذكاؤه إلى أن صار أداة لقوة عسكرية او مخابراتية مدمرة تسيره أينما اقتضت المصلحة حتى وان كانت في ابادة آلاف البشر. بلى... إن العقل الخالص عن الشوائب والمنزّه عن المساوى، هو تلك الموهبة العظمى التي تتجلى فيها القدرة على تشخيص الحكمة التي تقف وراء ظواهر الأشياء والأمور فهو وعاء البصيرة والفهم.
والعقل كما قال سيد العقلاء رسول الله صلى الله عليه وآله: (العمل بأمر الله)، أي أن خلاصة ما يمكن أن يصدر عن العقل، وأشرف فعلٍ للعقل وأفضله هو طاعة الله عزوجل. فيما ورد عن أميرالمؤمنين سلام الله عليه في وصف العقل، أن: (العقول أئمة الأفكار، والأفكار أدلة القلوب، والقلوب أدلة الحواس، والحواس أدلة المظاهر). وقال عليه السلام أيضاً: (العقل أصل المعرفة) التي تدعو إلى الفهم والاستيعاب.
ولعل القارئ الكريم يعلم جيداً أن استثمار العقل بالشكل الصحيح يرتفع بصاحبه حتى يجعل تفكيره تفكيراً سليماً، ويحفزه على الاستفادة من تجارب نفسه والآخرين، إضافة إلى أنه يساعد المرء على أن لايقدم على عمل ما، أو يخوض مشروعاً ما إلاّ بعد أن يفكر ويفكر، ويحسب حسابات النجاح وحسابات الفشل، ثم يكشف العقل له عما إذا كان في هذا العمل والمشروع رضا لله تعالى أم لا.
فالعقل عاملٌ مساعد كبير في إحراز النجاح لمن يفعّله، حيث يأخذ بيد صاحبه، فيجعل كل شيءٍ في مكانه المناسب والصحيح فهو يؤدي إلى الفلاح والموفقية في الدنيا والآخرة. فيما المصاب بداء التكبر والأنانية والغرور، ومن تسوقه رغاباته وشهواته، فتراه كثير الأخطاء، بل إنه ما إن يخلص نفسه من مشكلة حتى يقع في أسوأ منه باعتبار أن هذه الأمراض تمثل جنوداً للشيطان، والشيطان يسعى أبداً لجرّ الإنسان إلى الخطأ، بل هو أكثر ما يكون حريصاً على تصوير الباطل حقاً والحق باطلاً، والصح خطأ والخطأ صحاً. ومن ناحية أخرى، نجد العقل يقود صاحبه إلى اتباع خالقه، وخالقه العظيم قد أوجب عليه الإستفادة من هذه الطاقة العملاقة؛ بما يناسبها. وليس من ريب في أن أرقى مجالٍ ومساحة يمكن تفعيل العقل فيها مساحة تعاليم، كتاب الله المجيد القرآن الكريم الذي يترجمه منهج أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
|
|