قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لنشكر نعمة الحرية حتى نتجاوز عقدة الديكتاتورية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
لماذا جُعل الشكر عنواناً للحضارة وصنواً للحكمة و وسيلة للسمو والتكامل وهدى في حياة الانسان؟
ولماذا نجد ان ربنا تعالى حينما يحدثنا عن الحكمة في سورة لقمان وهي سورة الحكمة - حسبما يبدو- يقول: "ولقد اتينا لقمان الحكمة ان اشكر الله" وفي سورة ابراهيم (ع) يقول ربنا: "واذ تأذن ربكم لان شكرتم لازيدنكم"، بل حينما نقرأ القران الكريم وفي سورة الانسان بالذات نجد ان الله تعالى يجعل الشكر هدف الحياة، كأنها الصفة الاولى الاساس للمؤمنين، يقول تعالى: "انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجلعناه سميعا بصيرا انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا"، بمعنى ان ثمة طريقين امام الانسان: إما شاكرا وإما كفورا؟
لنفكر بالايجابيات وليس السلبيات
اذا اراد الانسان ان يسجل ايجابيات في حياته، أو بتعبير اخر اذا اراد ان يحصي نعم الله عليه فلن يستطيع الى ذلك سبيلا. فمن الذي يستطيع ان يحصي نعم الله وقد صرّح بذلك ربنا تعالى في كتابه المجيد: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" (النحل /18)، بل يعجز الانسان عن احصاء نعمة واحدة من نعم الله. لنتصور نعمة البصر... فاذا ذهبنا الى اطباء العيون ونسألهم عن هذه المضغة الصغيرة التي في وسط وجوهنا ونسميها بالعين، سيقول الاطباء انها عالم من الاعصاب الى الشبكية الى البؤبؤة الى الاجفان الى سلسلسة طويلة من المكونات التي تشكل كل واحدة منها عالماً بحد ذاته، لكن اختصره الله في هذه المضغة الصغيرة التي تسمى بالعين، ثم لنحاول احصاء نعمة البصر حيث نرى الاحجام والالوان والاشياء وكل العالم ونتوقى المهالك ونتمتع بالجمال وغيرها كثير ما لايعد ولا يحصى. بالمقابل اذا تحركنا لنحصي السلبيات فاننا لن نستطع ايضاً، بدليل ان الواحد منّا اذا أمسك بالقلم واراد احصاء ما يمتلكه وما لايمتلكه، هل يصل الى نتيجة...؟ حتى الذي يمتلك الحسابات الضخمة في البنوك والجزيرة السياحية والعقارات و... فانه يعجز عن احصاء ما لا يمتلكه. وهنالك معادلة؛ فثمة افراد في المجتمع ينظرون الى ما لديهم وما يملكون، فيكونوا شاكرين ويعملون وينتجون، فيما هنالك افراد ينظرون الى ما ليس لديهم فيكونوا كافرين. لنفترض انك تمتلك حساباً مصرفياً في احد البنوك، وعندما تخرج من بيتك هل تتوجه الى البنك الذي لاحساب لك فيه؟ بالطبع كلا... إذن؛ فالانسان من حيث الفطرة يتحرك مما يملك وليس مما لا يملك. وهكذا نجد بعض الافراد في الوقت الحاضر يسلط الضوء على ما لا يملك ويفكر بالعوز والنقص لذا يكون سلبياً دائماً، او يفتش عن مبرر للجمود.
كان يقال عن النبي عيسى (ع) (راحلته رجلاه...)، وينقل عنه مضمون قوله؛ بان الله تعالى جعل لكل دابة على الارض رزقها، وانا من دواب الارض أدبّ على الارض، يقول الحديث القدسي: (يا ابن ادم ان اردت من الدنيا ما يكفيك فأيسر ما فيها يكفيك، وان اردت من الدنيا ما لا يكفيك فكل ما فيها لا يكفيك).
وهنالك قصة حكيمة تروى؛ يقال ان الاسكندر المقدوني أوصى بانه بعد موته يحمل على تابوت ويسيرون به على البلاد التي فتحها وملكها وتكون يده خارجة من التابوت، وقال: اينما رأيتم يدي دخلت الى التابوت فهنالك مدفني. وبعد موته نفذ الاغبياء وصية الاسكندر واخرجوا يده وساروا به حيث قال حتى وصلوا الى منطقة فيها رجل عجوز جالس على جانب الطريق، فقال: ما هذه الجنازة التي تحملونها من منطقة الى اخرى؟ قالوا هكذا وصيته، فنهض الرجل العجوز من مكانه واخذ حفنة من التراب ووضعها في يد الاسكندر ، وما ان لامس التراب يده حتى انسحبت فوراً الى داخل التابوت، وفي نفس المكان تم دفن الاسكندر المقدوني. فالتف حوله الناس وسألوه عن الحكمة، فقال: ان هذا الانسان ملك العالم لكنه وهو ميت بعد يبحث عن شيء يمتلكه، وهذه كناية عن طمع الانسان وحرصه الدائم، فلو ملك الارض بأسرها سيفكر في امتلاك السماء! لكن الذي يرضيه ويسكته هو حفنة من التراب التي يجب ان ينام عليها.
من هنا؛ اذا فكر الانسان بالايجابيات وفي ما يملك ستكون عنده الحيوية والقدرة على تحدي الصعاب والازمات ، ثم يتقدم لنباء حضارته. اما الذي يفكر في السلبيات طيلة عمره فانه لن يحصد سوى السلبيات نفسها. ولذلك يقول نبينا الاكرم (ص): (تفألوا بالخير تجدوه).
لنتحرر من آثار الديكتاتورية
في العراق نحن بحاجة دائما الى الروح الايجابية، فهنالك الديمقراطية والحرية، لكن البعض يشعر ان نفسه غير مرتاحة بل منقبضة ومنطوية ولا تدفعه الى التحرك والعمل. وهذا ما ينقل عن الشعب الصيني في احدى تقاليده الخرافية بان الناس هناك يضعون حذاءً حديدياً في رجل الفتاة منذ الصغر ويكون معها خلال فترة نموها، فجسمها يكبر ما عدا القدمين، و يقولون انها فتاة وربما تهرب من البيت...!! واعتقد ان هذا المثل طُبق على شعبنا في العراق، فقد ابتلي بنظام حكم جعل الشعب العراقي كله داخل تابوت حديدي ليحول دون نموه بدنياً و روحياً. لكن المشكلة انه رغم مرور سنوات على سقوط الصنم والطاغية ما نزال نعاني آثار الحالة الماضية.
البعض يتكلم عن هذا المحافظ او رئيس مجلس النواب او رئيس الوزراء... لكن لماذا لا ننظم التظاهرات السلمية المؤدبة وضمن الاطار القانوني وكسر الانطواء؟ لنتوكل على الله تعالى بدلاً من تبادل الاتهامات، فالشعب الذي يستغرق في الحديث عن السلبيات لن يكتب له النجاح، وهل الحكومة هي كل شيء في الحياة...؟ ان الفرد بامكانه ان يتحرك ويخلق واقعاً جديداً. والحقيقة فان الشعب العراقي بعد لم يستفد من الحرية الموجودة كما ينبغي، حتى بات من الصعب على البعض المشاركة في الانتخابات، فالذي لا يستفيد من حريته تسلب منه، والسبب هو ان البعض اعتاد النوم في التابوت الحديدي، وما تزال آثار الدكتاتورية في نفسه، ومثله في ذلك مثل أولئك العبيد الذين حررهم الرئيس الامريكي ابراهام لينكولن في القرن التاسع عشر عاد نصفهم الى اسيادهم وقالوا: لا نستطيع العيش احراراً! وقبلهم بنو اسرائيل، فبعد ان انقذهم الله تعالى من فرعون، لكن ما أن عبروا البحر الى بر الامان حتى طلبوا من نبيهم موسى عليه السلام بان يجعل لهم الهاً...! وبالرغم من زجر موسى لهم، لكنهم تحينوا الفرصة وما ان غاب عنهم لمناجاة رب العالمين، حتى اقدموا على فعلتهم بصناعة العجل وعبدوه، لان اثار العبودية و الشرك كانت باقية في انفسهم.
لنتحرر من آثار الدكتاتورية وننطلق في رحاب الشكر لله تعالى. لننظر الى الحياة بايجابية. ان النظرات السلبية تقتلنا فلابد من التوجه الى الايجابيات. طبعاً هذا لايعني ان يركن الانسان الى السكون والجمود، انما ان يطالب الشعب بحقه و روحه مفعمة بالايجابيات. ومن نافلة القول؛ ان الله تعالى يوصينا بعيادة المريض لعدة اسباب منها ان يعرف الانسان قيمة الصحة التي يمتلكها، كذلك بالنسبة لزيارة القبور، لذا نجد من يزور المقابر يشعر بالارتياح النفسي وتزول عنه ركام المشاكل والمنغصّات والهموم لانه يجد النهاية والمآل ، فما الذي يدعوه لحمل كل هذه الهموم والمشاكل ما دامت النتيجة هي التراب.
خطوات الى الشكر
ما هو الشكر؟ وكيف نستطيع ان نوجد الشكر في انفسنا؟ وكيف ننمي مجتمع الشاكرين؟
بدايةً؛ الشكر ان تعرف النعمة . قال النبي موسى (ع): (الهي كيف اشكرك... اذا بلساني فانه منك واذا بمخي فانه منك واذا بروحي فهي منك. فكيف اشكرك)؟ تقول الرواية - حسب ما اتذكر- فقال له رب العزة: (ياموسى... هذا العلم بان كل شيء من عندي يكفي للشكر وإن لم تتلفظ بلسانك)، تقول الآية الكريمة: "واما بنعمة ربك فحدث"، لنتحدث بنعم الله ونحمده عليها في كل شيء عندنا.
أما عن كيفية تنمية مجتمع الشاكرين فهنالك خطوات:
الخطوة الاولى: القلب..
ان تكون البداية من داخل انفسنا ومن داخل قلوبنا وضمائرنا. بمعنى اننا يجب بدايةً ان نكون ايجابيين، ومعنى الايجابية هي حبّ الله تعالى، فبعض الناس من شدة كفره بنعم الله يبدو وكأنه يتشاجر مع ربه – والعياذ بالله- ثم ان البعض يطلب ويأمل أشياء لا يدري ان كانت تصلح له أم لا...؟ بينما حكمة الله تعالى دائماً تأتي لصالح الانسان، لذا لا يعطي الله الانسان بعض الاشياء انما يقدرها له يوم القيامة.
الخطوة الثانية: اللسان..
مشكلتنا في ما يرتبط بالعلاقة مع الاخرين ان البعض منّا يشعر بالكراهية إزاء الآخر، نحن نقرأ كلمة أمير المؤمنين عليه السلام وما أروعها من كلمة جاءت ضمن عهده لمالك الاشتر، وبالحقيقة يجدر بهذه الكلمة ان تكون على لافتة وتنشر في العالم، يقول الامام عليه السلام: (الناس صنفان اما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) ، إذن؛ لماذا ظاهرة الكراهية منتشرة في اوساطنا؟ ان لكل انسان دوراً معيناً في هذه الحياة، والمثير ان البعض ورغم كراهيته من شخص ما، فانه وبعد موته يظهر الحب والودّ له ويتحدث عن مناقبه وايجابياته! و(ان فلان... الله يرحمه...)! طبعاً صحيح ان الكلام الطيب عن الموتى (اذكروا محاسن موتاكم)، لكن لماذا تنحسر هذه اللهجة الايجابية والودية في حياة ذلك ا لانسان؟
كان النبي عيسى (ع) ومعه ثلّة من الحواريين يسيرون فصادفوا خنزيراً ميتاً ومتعفناً فاظهر الاصحاب اشمئزازهم وتنفرهم من المنظر والرائحة الكريهة، لكن النبي عيسى قال بهدوء: ولكن انظروا الى بياض اسنانه...!
وفي نفس السياق هنالك رواية - والله العالم- لم أقرأها في مصدر لكن فيها العبرة. يقال بان الله تعالى مرة طلب من نبيه موسى (ع) أن يا موسى ان اردت المجيء ثانية للمناجاة اصطحب معك انسان او حيوان ادنى منك، وفي اليوم الموعود وقبل ان يذهب موسى الى مناجاة ربه فكر ان ياخذ معه أحد الحواريين، وقال: انا نبي وهو ليس نبي، لكنه استدرك وقال: ومن يقول ان حياتي ستختم بخير، ربما يكون هذا الانسان افضل منّي. ثم فكر ان ياخذ معه احد المؤمنين، لكنه استدرك ايضاً وقال: من يقول انا افضل منه... وبالنتيجة تخلّى عن خيار الانسان فتوجه الى الحيوان علّه يجد من هو أدنى منه، فوجد كلباً مصاباً بالجرب ومشلول، فاقتنع بانه قد يكون أدنى منه. لكن ما أن وصل الى الجبل وقبل ان يصعد ترك هذا الحيوان وقال: ان البشر مسؤول عن تصرفاته ويتحمل أوزار اعماله، أما هذا حيوان فما ذنب؟ وبعد ان صعد الى مناجاة ربه، سأله تعالى عن الذي معه وهل جاء بشيء؟ فقال موسى: لقد بحثت ولم أجد، فقال له تعالى: لو جئت لي بذلك الكلب لكنت قد محوت اسمك من قائمة الانبياء.
لقد كان عمر بن سعد والحر الرياحي معاً في الجيش الذي واجه الامام الحسين عليه السلام في كربلاء، وعمر هو ابن ذلك الصحابي الذي شهد النبي الأكرم وكان قائداً للجيش لفترة من الزمن، وكان الحر أحد افراده لكن خرج الحر من المعركة شهيداً خالداً، بينما ذهب بن سعد الى قعر جهنم. إذن؛ فما الذي يدفع الانسان للاغترار بنفسه والنظر بسلبية الى الناس والى الامور، و ربنا تعالى يقول: "يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكونن خيراً منهن"، وتقول الآية الاخرى "يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن". وعليه لنجعل اللسان يرتاح من التهمة والغيبة والنميمة واتهام الاخرين. وعندما يكون قلب الانسان ولسانه نظيف، فان الاجواء تبعاً لذلك ستكون نظيفة ايضاً، كذلك المجتمع سيكون نظيفاً وصادقاً في نواياه ومقاصده و (على نياتكم ترزقون). وبالنتيجة عندما تكون النية صادقة واللسان نظيفاً والجو العام في المجتمع نظيف حيث لا يتهم أحد الآخر ولا يتعالى هذا على ذاك، من ثم يتحقق مجتمع الشكر، آئنذ يكون بالامكان التحرك الى الامام.
نحن نطمح الى مجتمع حضاري في العراق، لا مجتمع الحزبيات والحصص والتفرقة. وعليه يجب على المجتمع يجب ان يصلح نفسه، وان تكون مواقفه سليمة وكلامه يتسم بالحكمة والرشد، وأنبه الاخوة في العراق الى ان ما يحصل في العراق بالحقيقة نتاج مواقفهم واعمالهم.