قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحرص مرض يقتل صاحبه
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *علي عبد الزهراء
(مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز، كلما ازدادت من القز على نفسها لفاً كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غماً). هذا الكلام هو للإمام الباقر (عليه السلام) وهو أروع تشبيه لحالة الإنسان الحريص الذي يلف على نفسه أنواع شتى من المطامع ظناً منه أنه سيستفيد منها ويلتذ بها لكنه سرعان ما سيدرك أنه يجمع هذه الأمور حتى يتركها لغيره.
أهم صفة ملازمة لهذا الحريص، هي التعب لأنه يرهق نفسه في طلب الأشياء، ويرهق جسده وفكره ونفسه في طلب تلك الأمور وكلما بعدت عليه المطالب ازداد لها شوقاً وطلباً، وحتى عندما يصل إلى مبتغاه فإنه سيلاحظ أن قطار العمر قد فاته، وانه لم يبق في البدن من قوة للإستفادة والتلذذ بما حصل عليه، ولكن الحريص لن يشبع ولن يتوقف عن الحركة حتى تنهكه تلك الأشياء التي يطلبها وتلتف حول عنقه وتقتله.
والأسوء أن الحرص يجر الإنسان إلى سلوكيات بعيدة عن الأخلاق، فهو يفعل أي شيء من أجل تحقيق رغباته وأهدافه من دون مراعاة للآداب والحياء، ونلاحظ بعض الأفراد عند توزيع الطعام والأشياء على الناس أنهم يحاولون أن يأخذوا أكثر من حقهم، فهذا لايحجزه الحياء عن فعل أي شيء، ذلك لأن الطمع تملكه واستولى عليه، وهو لايرى الأنظار التي ترمقه وتمقت تصرفاته الشنيعة، بل هو لايهتم لكل أولئك الناس الذين ينظرون إليه شزراً نتيجة لتصرفاته المريضة.
ربما يعتبر هذا النوع من السلوكيات ومحاولة الحصول على المكاسب أنها نوع من (البهلوانية) وأن الآخرين لايقومون بهذه الحركات لأنها تنقصهم هذه المهارات حسب ظنه، وهو لايقدر الحياء الذي يغمر الناس الشرفاء الذين لايقومون بحركات تسيء إلى سمعتهم وشخصيتهم.
لكننا نتساءل ما هي مشكلة الحريص؟ وما هي العوامل التي أوصلته إلى هذه الحالة؟
مشكلة الحريص انه ضعيف الإيمان ويسيء الظن بالله، فهو يرى بأنه إذا لم يقدم على فعل هذه الأمور فإنه سيموت جوعاً، أو أنه سيصيبه الهلاك، أو سيهجم عليه الفقر، أو سيفقد ثروته، لكن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أوضح لهذا الإنسان ولكل البشرية قانون الحياة، وأن الركض وراء المطامع لايؤخر ولايقدم شيئاً، هذه هي القاعدة التي يبينها رسول الله بقوله: (لايسبق بطيء بحظّه ولايدرك حريصٌ مالايقدّر له) فكل إنسان يحصل على ما قدر له إن سعى إليه جاهداً أو لم يسع إليه وقال الإمام الحسين (عليه السلام) (ليس العفة بمانعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، وإن الرزق مقسوم والأجل مخترم، واستعمال الحرص طلب المآثم.)
وتكمن في داخل الحريص قوة تذله وتكسر هيبته، وهي (قوة الشره) فهو يطمع بأن يحصل على كل شيء فإذا وجد فرصة للحصول على شيء فإنه سيسيل لعابه من أجل الحصول عليه وهذه القوة هي قوة الشره التي في داخله وتجبره على فعل أشياء قد لايستسيغها عقله.
وكما لاحظنا في صورة الإنسان الطماع الذي يقتنص الفرص السانحة من أجل ارضاء قوة الشره في داخله والحصول على المكاسب بوسائل رخيصة، سنجد أنه إنسان ذليل ويشعر بالضآلة أمام الآخرين ذلك أنه يحس بصغر نفسه أمام تلك القوة التي في داخله.
إن الشعور بالخزي أمام الآخرين يجب أن يشكل دافعاً لهذا الإنسان حتى يغير من اسلوب حياته، حتى لايصبح مبغوضاً وممقوتاً من أقرب المقربين إليه، وقد كشف الإمام علي (عليه السلام) إسلوباً لردع الحرص عند الإنسان فهو يقول (سلام الله عليه): (ردع الحرص بحسم الشرّه والمطامع)، بأن يتمالك المرء نفسه عندما تحين تلك الفرص للتسابق من أجل الحصول على الطعام أو أي شيء آخر، وقد يحرم المرء من الحصول على بعض المكاسب إذا لم يستعجل الموقف ويمد يده لطلب الشيء، لكن في النهاية سيحفظ كرامته وعزته، ولن يشعر بالإذلال أمام الآخرين.
الحصول على معاني الكرامة والعزة هو أعلى مرتبة من الحصول على بعض الأشياء الدنيوية الغريزية، ففي الحالة الأولى يمتلك المرء الثقة بنفسه ويستطيع أن يحقق اشياء كبرى نتيجة إيمانه بنفسه، أما الإنسان الذي يشعر بالذلة أمام الآخرين هو في معظم الأحيان يكون تابعاً وذيلياً ولايقدر على شيء.
وقد ورد لدينا في الأحاديث الشريفة أن الطمع يقود إلى إرتكاب الذنوب. قال ذلك الإمام علي (عليه السلام) في حديث له (الحرص لموقع في كبير الذنوب) فنتيجة للحرص قد يتخذ المرء قرارات صعبة تغير مصيره من كونه من أهل الجنة إلى أن يصبح من أهل النار.
ونحن نلمس عن قرب في واقعنا اليومي، كيف أن الإنسان إذا إنقاد إلى طمعه يستطيع بسهولة أن يغير إتجاهه حتى يحصل على الكثير من أموال الباطل، يعني ربما الأمر لايتطلب منك سوى القول: (نعم) للباطل حتى تنهال عليك الأموال، ولكن بهذه الطريقة ستبيع آخرتك من أجل دنياك، وما قيمة الدنيا بأزاء الآخرة.
والحريص فقير حتى وإن حصل على الشيء الكثير، لأنه يطلب المزيد والمزيد ولايقنع بما لديه، لذا فهو فقير حتى وإن ملك الدنيا وقد سأل الإمام علي ابنه الحسن (عليهما السلام): ما الفقر؟ قال: الحرص والشره..
نتيجة لذلك لايشعر الانسان بالراحة أبداً، لأنه حرم القناعة، فهو يطلب المزيد ويخشى القلة وهو بين هذا وذاك في حالة من عدم الرضا مما لديه، هذا الإنسان الذي يبذل أغلى ساعات عمره في تحقيق المطامع لابد أن يحقق الراحة على أقل التقادير في عالم الدنيا، إلا إننا نجد أنه لايذوق طعم الراحة حتى في هذه الدنيا التي بذل لأجلها كل ما يملك.
وهناك نتيجة أخرى يحصل عليها الطماع وهي (عدم اليقين) ومرحلة اليقين هي مهمة لكي يمارس الإنسان حقيقة الإيمان،فأنت بحاجة إلى مستوى خاص من الإيمان حتى تتصدق في سبيل الله وأنت أيضاً بحاجة إلى مستوى آخر ودرجة أخرى من الإيمان حتى تستطيع أن تكون من العاملين في سبيل الله، وأنت بحاجة إلى مستوى أعلى من الإيمان حتى تكون من المجاهدين أومن المستشهدين في سبيل الله، نقول هذا، لأن الطماع لن يحصل على اليقين فهو بلاشك لايستطيع أن يقوم بكثير من الأعمال التي ذكرناها فهو محروم منها، لكنه متى سيشعر بهذ الحرمان؟
والحرص لن يدعه لحال سبيله إلا أن يهلكه ويجلب إليه أسوأ الأمراض القاتلة.. وعندما ينتقل إلى ذلك العالم، يدرك في ذلك الوقت الخسارة التي مني بها نتيجة الأطماع التي كبلته.