الإصلاح. .. رساليا
|
*أنور عزّالدين
"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".
قد يبدأ التغيير الإصلاحي من إنسان ما، وقد يتأثر آخرون بتيار الإصلاح هذا، لكن لا يعني هذا بأي حال من الاحوال إن المسألة مقتصرة على هذا الانسان أو ذاك، إنما هي بالحقيقة مسؤولية يشترك في حملها الجميع، وهي الرؤية التي يوصينا بها الاسلام في الآية الكريم التي صدرنابها المقال، بمعنى ان مسؤولية الفرد لا تسقط حين لا يتوفر مصلحون، علماً إن المطلوب التعاون على البر والتقوى.
من هنا فان انطلاق كل فرد من هذه الأمة نحو تحمل مسؤوليته ولو بصورة فردية سيشكل قطرات الغيث التي سرعان ما تتجمع وتشكل تياراً جارفاً للباطل وأهله، ولن هنالك نهرٍ جار ولا سيل هادر إلا بوجود قطرات صغيرة من ماء المطر.
وعندما نقول بالمسؤولية المشتركة وتظافر الجهود، فاننا نؤكد في الوقت نفسه على أن يكون الاصلاح، مشروعاً على (الصراط المستقيم)، وليس صراط آخر، مهما كانت الظروف، فالمسألة مصيرية لاتقبل التأويل والتبرير، فربما يكون الاصلاح في ظل الاجواء السياسية والهدف واضح، هو الوصول الى السلطة والحكم بحجة تطبيق الاحكام والنظريات التي يرى اصحابها أنها الحق، لكن الحقيقة أن مشاريع كهذه لن تستقيم عندما تتعرض الاجواء السياسية الى عواصف وأزمات، او قد يتحقق الطموح بالوصول الى السلطة، فتستنفذ الاغراض وتنتهي صلاحية هذا المشروع، حينئذ لن يكون ذلك المصلح معنياً بالسلوك العام للناس والظواهر الاجتماعية او الاقتصادية التي قد تطفح على ا لسطح بعد توقف مسيرة الاصلاح عند القصر الرئاسي او مبنى الحكومة و... بينما (الاصلاح الرسالي) مسيرة لاتتوقف مهما كانت الظروف، لأنة مشروع شمولي يهدف الى الاصلاح الجذري.
وعليه لابد من التوقف كثيراً عند مشروع الاصلاح في طريق السياسة، لأنه قد يؤدي بصاحبه الى مهاوي يتعذر عليه الخروج منها سالماً، هذه المهاوي او المنزلقات عبارة عن مفاهيم يسوقها الانسان الخائض لجج السياسة، فتؤدي به الى الخروج عن الطريق المستقيم من حيث لا يشعر. منها:
1- تحول العناوين الثانوية في العملية السياسية الى عناوين رئيسة في منهج الاصلاح، مثال ذلك في معظم بلادنا الاسلامية ومنها العراق؛ (الديمقراطية)، فهي عنوان ثانوي، لأن الاسلام غني جداً بالتعاليم والمفاهيم السياسية، وأمامنا القرآن الكريم وسيرة الرسول الاكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم، لكن المشكلة هي عامل الزمن والظروف القاهرة. إذن، لاينبغي ان تكون (الديمقراطية) العنوان الرئيس لنا، نعم؛ هي كذلك للمجتمعات الغربية العنوان الاول والاخير، لأن لا خيار وبديل لها، وقد قالها (ونستون تشرتشل) ذات مرة: (انها افضل الخيارات السيئة)، فاذا كانت هذه رؤية هذا السياسي البريطاني الشهير، فكيف تكون نظرتنا نحن المسلمين واتباع أهل البيت عليهم السلام؟!
2- (لا يطاع الله من حيث يعصى)، هذا الحديث المعروف عن أمير المؤمنين عليه السلام يُحجب أمام مفهوم مستورد يدعى (الغاية تبرر الوسيلة)، وهي من مبتكرات الفلسفة السياسية الغربية، فكل شيء جائز وإن تسبب في إحراق الحرث والنسل، فالمهم هو الحياة السياسية وليس الحياة الانسانية.
3- تغليب (المصلحة) الشخصية على العامة، وهو يحذرنا منه بشده الاسلام، لأن الانسان يحمل نوازع وغرائز إن أطلق لها العنان، تؤدي الى حروب وفتح ابواب السجون وساحات الاعدام وسلسلة من الانحرافات في المجتمع. وهذا لايقتصر على رجل السياسة والسلطة، بل ربما يبتلى به الانسان الذي يرفع شعار (الاصلاح)، فهو يرى ان (المصلحة) تكمن في هذا القرار او ذاك، بغض النظر عن عواقبه او آثاره.
كل ذلك؛ لا يعني ان نتوقف عن المشاركة السياسية بحجة عدم تحقق الاصلاح الجذري واستيفاء الشروط المطلوبة، بل بامكان هذه المشاركة ان تكون خطوة متقدمة في مسيرة الاصلاح الحقيقي، هكذا علمنا أهل البيت عليهم السلام، فمنهم من تصدّى لادارة الحكم ومنهم من شجع شيعته ومواليه على البقاء في مناصب حكومية فيما يكون الهدف الاسمى للاصلاح هو النقطة المضيئة في الطريق.
|
|