قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

المثقف الرسالي. .بين طموح التجديد و ضغوط المجتمع
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة عبدالهادي البابي
من يثورعلى واقع فاسد ويعلن عليه حرب الإصلاح والتغيير، لابد أن يتوقع ردة الفعل الأولى من المجتمع المتمثلة بصيحات الجامدين، وهجمات الحاقدين واستثارة الغافلين، وتلك حقيقة يعرفها المجددون، ذلك لأن طريق الإصلاح والتجديد ليس مفروشاً بالرياحين، حيث أن المجدد يحمل رسالة التغيير، إذاً فهو يحاول ان يحرك مجتمعاً راكداً منذ امدٍ طويل، فهو مثل من يحاول هدم جدار بمعوله، فلابد ان يتوقع في الضربات الأولى ردة الفعل من أصطدام المعول بالجدار العنيد.
أن المثقف المجدد يجب ان يتوقع كل شيء وهو يمضي في طريق الإصلاح، وعليه ان يقتدي بنبي الله ابراهيم الخليل الذي حمل المعول وحطم الأصنام، فقد كان مستعداً للنتائج والعواقب، وفعلاً حصل الذي حصل من إلقائه وسط النيران العالية. ولو ان ثمة قصة رافقت مسيرته وكانت فيها نجاته بمعجزة تاريخية أهداها الله تعالى إياه.
فالمجتمع كلما كان أكثر ركوداً، كلما كان أكثر حاجةً إلى من يحركه، وفي نفس الوقت يكون أكثر حساسية من أي حركة تصيبه، مثل الماء الراكد الذي يتأثر بورقة يابسة صغيرة تسقط وسطه فتحدث دوائر عديدة وبعيدة، لكن لابد من ردود الفعل هذه لأن فيها صلاحه ومصلحته.
و أول مايستند عليه المجتمع الراكد في رفضه التغيير والبدائل الجديدة، انه يمتلك تراثاً قديماً وغير محتاج لأحد يأتي له بجديد وإن كان مقنعاً، وهذه من المعادلات الاجتماعية الثابتة، والقرآن الكريم يروي لنا قصص الاقوام الماضية وكيف انهم واجهوا رسالات الانبياء ومحاولات الاصلاح التي تصب في مصلحتهم بالدرجة الاولى، بان لديهم تقاليد وقوانين ورثها من آبائهم، "قالوا بل نتبع ماوجدنا عليه آباءنا" (لقمان /70)، وقوله تعالى: "إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون" (الزخرف /23).
إذاً، كانوا يرفضون التغيير، ومن هنا كانوا يتشبثون بطريقة الآباء والأجداد لتبرير مقاومتهم لرسالة الأنبياء، ولكن بسبب هذا الركود وتلك العقلية كان الله يبعث الأنبياء وينزل الكتب، ذلك لأن الله لايرسل نبياً إلاّ حينما تكون هنالك حاجة إليه، يقول القرآن الكريم: "كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" (البقرة /213)، ومن هنا فلابد أن يتوقع الرسالي ضغطاً شديداً من قبل المجتمع الجامد، ولابد أن يقاومه كما قاوم كل الرساليين ضغط مجتمعاتهم ولم يتنازلوا عن رسالتهم وهدفهم.
وقد يسأل البعض: كيف يمارس المجتمع الراكد الضغط على المثقف الرسالي؟
هناك الكثير من الوسائل والطرق التي يمارسها المجتمع ضد المثقف الرسالي منها الدعايات المضادة وإتهامه بمختلف التهم أو الاستهزاء به وتحقيره وتكذيبه ومحاولة إبعاده عن الساحة. وقد تعرض كل الأنبياء والأوصياء وأتباعهم لهذه التحديات بل وأكثر، حيث قدموا في هذا الطريق ارواحهم، فسقطوا شهداء، و أولى تلك الدعايات رميهم بالسفه كما حدث بالنسبة إلى النبي هود عليه السلام، يقول القرآن الكريم: "وقال الملأ الذين كفروا من قومه أنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين" (هود /67)، وبعض الأنبياء أتُهم بالجنون وبعضهم أتهم بالسحر، يقول تعالى: "كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ" (الذاريات /52). وكم أنزل الله من آيات لتبرئة أنبيائه من السحر والجنون والكذب وخاصة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي أشاعوا حوله تهمة السحر والجنون بشكلٍ انطلت على الكثير من السذج في مكة. قال تعالى: "أم يقولون به جُنّة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون" (الطور /29). اما تهمة الارتباط بالجهات الأجنبية فقد واجهه أحد الانبياء، يقول تعالى: "وقال الذين كفروا إن هذا إلاّ أفك إفتراه وأعانه عليه قوماً آخرين" (الفرقان /4)، أما الإستهزاء فأن كل الأنبياء وحملة الرسالات يتعرضون له" "قال ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسولٍ إلا ّ كانوا به يستهزئون" (يس /36).
ان أبناء المجتمع الراكد يستهزؤون بالرسالي والمصلح والمجدد، وينكتون عليه ويضحكون منه، ويصنعون عليه المسرحيات وبذلك يحاولون إسقاط شخصيته !
أما التكذيب فانه من اكثر ما عانى منه الانبياء ومنهم نبينا الخاتم صلى الله عليه وآله، قال تعالى "قالوا إنْ أنتم إلا بشر تريدون أن تصدونا بسلطان مبين" (ابراهيم /10)، قال تعالى: "كلّ ما جاء أمة ٍ رسولها كذبوه" (المؤمنون /44)، وقال تعالى "كذبت قوم نوح المرسلين"، و "وكذبت عاد المرسلين" و "كذبت قوم لوط المرسلين" وغيرها من الآيات التي تبين حجم التكذيب الذي تعرض له الانبياء.
هذه هي بعض انواع التُهم والدعايات التي يتعرض لها الرساليون، والتي يجب عليهم ان يواجهوها حتى يحققوا ما نهضوا من اجله، وأن الصمود في مواجهة الأتهام والأستهزاء والتحقير، هو الضمانة الوحيدة لقلب الموقف لصالح المثقف الرسالي، أما التراجع أمام هذه التحديات فهو دليل الضعف والهزيمة.
إن على المثقف الرسالي أن يعرف إنه في بداية تحمله للمسؤولية سيتعرض لردة فعل المجتمع الراكد، لكن بصموده وصبره وشجاعته سرعان ما يتحول الذين كانوا يستهزئون به ويتهمونه بأنواع التهم، الى أصدقاء ومحبين، عندما يكتشفون خطأهم وحقانيته وصدق ما ذهب اليه.