قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الشك ومشكلة التخلف
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
العلم يسبق العمل، ولكننا نعمل قبل اليقين فنسقط في الشبهات والشكوك والظنون، فنفسد العمل وتفشل النتيجة!
وعندما يتحدث الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم) عن خطورة الشكوك نظن أنها تفسد عقائدنا فقط، والحال أنها تفسد حياتنا برمتها، فهي تنخر في العمل وتهدّ أركانه إلى الحد الذي يصبح فيه عديم الفائدة، وهذا حال كثير من المسلمين الذين يعملون ولاثمرة في أعمالهم، وإذا بحثنا في أسباب ذلك الفشل لوجدنا أنه كان ممزوجاً بالشك والريبة.
بينما العمل الذي يُبنى على العلم واليقين فانه يحمل معه عناصر نجاحه معه ففضلاً عن كونه قائماً على الحقائق العلمية فهو يدعم العامل به بكل العوامل النفسية المشجعة على تحقيق الموفقية والنجاح، وهنا يكمن الفرق الأساسي بين عمل مبني على الشك ومثبط لعامله وعمل آخر مبني على اليقين ومشجع لصاحبه.
نريد تطبيق هذه النظرية على واقعنا، فهل نحن من أصحاب اليقين أم من جماعة المشككين؟ وماذا كانت نتائج المسيرة التي اتبعناها؟ وهل تمكنا من تحقيق أهدافنا أم لا؟
للأسف لم تكن المسيرة التي اتبعناها مبنية على أساس العلم واليقين وكان من نتائج ذلك هو الوضع الذي نعيشه اليوم، لأن العلم لاينتج إلا النور والرحمة، بينما لايصدر عن الشك إلا الدمار والخراب.
ونحن اليوم نتقدم بخطوة واحدة فقط عن الماضي المظلم الذي كان يعيشه آباؤنا، وذلك أننا نعيش فترة الحرية التي تسمح لنا بالتفكير مجدداً في أوضاعنا من أجل كسب العلم واستعادة هويتنا العقائدية المسلوبة.
إذن، لدينا فرصة لاستعادة هويتنا الحقيقية، وأن نبدأ مسيرة البحث عن العلم الذي ينفعنا للدنيا والآخرة، وهذا العلم موجود في معارف أهل البيت (صلوات الله عليهم)، غير أنه يفترض بنا تحويل هذه المعارف إلى لغة عصرية تكون مفهومة لدى جميع الناس من أكاديميين أو عمال ومزارعين، بل وتحويل تلك المعارف إلى قواعد علمية نافعة للدنيا قبل الآخرة.
فكثير من الأحاديث الموجودة في بطون الكتب ولم يطلع عليها إلا القليل تحتوي على مفاهيم وحقائق علمية في شتى مجالات الحياة في الإقتصاد والإجتماع والتاريخ والنفس والأخلاق والسياسة، ولابد أن تجتمع لجان عالية المستوى من ذوي الكفاءات والاختصاصات لتحويل تلك القيم والمبادئ إلى صيغ علمية معاصرة.
نعود ونقول بأن تحويل القيم والمبادئ من صفة العمومية إلى أنظمة وقواعد علمية هو الكفيل بإخراج أمتنا من حالة الشك إلى اليقين، فالشيعي على سبيل المثال وعلى مدى السنين الماضية لم يكن يتجرأ بإعلان هويته المذهبية – في بعض المناطق- أو لايتجرأ في الحديث عن معارف أهل البيت (صلوات الله سلامه عليهم)، بسبب حالة الشكّ التي تقيده، فإذا تمكنا من إظهار حقيقة علوم ومعارف أهل البيت النبوة (صلوات الله عليهم)، لخرج هذا الشخص من حالة الشك وتحول إلى اليقين، ومن ثمّ سيظهر هذا اليقين في تفاصيل حياته، وانعكس على حياته الاجتماعية، وسنرى حقاً وصدقاً نموذجاً شاملاً ومصداقاً حقيقياً لأمة الإسلام التي بشرّ بها القرآن الكريم وقال " كنتم خير أمة أخرجت للناس".
لكن كيف نصبح خير أمة؟ عندما تتكامل لدينا المعارف الشاملة بصفات هذه الأمة، ومن ثمّ نعمل على تحقيقها في واقعنا المعاش، ولكن للأسف وبعد مئات السنين من الظلم والاضطهاد وتحكم قيم الجهل والتخلف في أمتنا فقدنا الصورة الحقيقية لأمة الإسلام التي أرادها الله عزوجل وبشرّ بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
وحتى نستعيد تلك الصورة علينا أن ندرس مبادئ وقيم أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، ونقرأ سيرتهم بعناية حتى نعرف التطبيقات اللازمة لإنشاء أمة الحضارة.
تعالوا لنعرف نتائج الأمة التي تركن إلى الشك وتستسلم إلى سلطته...! وأبرع من فصّل في هذا المجال هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهو في هذا الحديث يمزج بين علمين: علم المنطق وعلم النفس، يقول: (والشك على أربع شعب: على التماري والهول والتردد والاستسلام) البحار ج/31/ ص474.
فالشك هو من علم المنطق والتماري والهول والتردد والاستسلام هي من علم النفس، وهنا ملاحظة هامة، حيث نجد التقارب الكبير بين الثوابت العقلية لدى الفرد وبين سماته النفسية، وعندما نقول بأن تخلف الأمة منبعه الشك فهذا هو دليلنا: أن الشك يزرع كل عوامل التخلف في الأمة، فالإنسان المرائي هو ليس على يقين في اعتقاده لأن العقيدة تأمره بالإخلاص، فلماذا لايأتمر ولايعمل به؟ الجواب: لعدم كمال اليقين في قلبه، فلو كان متيقناً لكان مخلصاً في عمله.
وصاحب اليقين لايصيبه الهول ولاتأخذه مهابة الأشياء فهو في ساحة المواجهة لا يهاب شيئاً لأنه على يقين بما كتبه الله عزوجل للمؤمنين والمجاهدين في طريقه، لذا نجد أن الذي في قلبه ذرة من الشك لايقدم على الجهاد، ويهاب العدو ويصيبه الهوى عند المواقف الصعبة.
وصاحب اليقين لايكون متردداً في الإقدام على المهمام الكبرى الصغيرة، وبخلاف ذلك نجد أن صاحب الشك هو ضعيف ولايقوى على أداء المهام الصغيرة التي توكل إليه ويعجز حتى عن أدائها ويأتي لذلك بشتى المعاذير والتبريرات، فهو هنا لايقدر على عمل شيء.
وصاحب اليقين أيضاً لايستسلم حتى وإن جره يقينه إلى مقصلة الإعدام، فهو يأبى الرضوخ والاستسلام للواقع السيء وهو لذلك في حالة من الحركة والنشاط الدائب لتغيير ذلك الواقع، إن كان واقعاً ظالماً أو فاسداً، ولهذا تجد أن حياته كلها في حالة جهاد من أجل تثبيت قيم الحق والعدالة.
لننظر قليلاً إلى واقعنا العام ونتساءل هل أن عوامل اليقين تسود حياتنا أم تسيطر علينا عوامل الشك؟
ليس هناك من صعوبة في الإجابة عن هذا التساؤل، وليس من العيب أن يعترف المرء بواقعه المرير لكن العيب وكل العيب أن يبقى المرء أو تبقى الأمة على حالها السيء أبد الدهر!
لقد كشف لنا الإمام علي (عليه السلام) أهم عوامل التخلف في الأمة وهي التي تقودها إلى أسوأ وضع يمكن أن تعيشه، فالمراء يعني إنتشار النفاق في الأمة، والهول يعني الجبن والتردد يعني الكسل، والإستسلام هو القبول بالظلم، وكل هذه الصفات السيئة منبعها الشك بمعارف أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم.