الدعاء في القرآن الكريم
شيخ المرسلين يستغيث ربّه
|
*صادق الحسيني
من المهم أن يكون ايمان الانسان بربه، هو ايمان بإله حيّ سميع لدعوات عباده، يؤمن بإله اقرب الى الانسان من حبل الوريد وهو فعّال لما يريد، و اذا آمن سيعيش لحظات عرفانية يشعر بالهيمنة الالهية عليه، فكلما مرّ بصعوبة يشعر أنّ له رباً يحميه و أنما يجري هو بعين الله وهذا شأن الانبياء (عليهم السلام) فكلّما افتقروا الى امر إلتجؤوا الى الدعاء لأنهم على يقين بأنّ الله سميع مجيب لدعائهم, سواءً في دعائهم للمؤمنين او في دعائهم على الكافرين.
وهذا كان شأن النبي نوح (عليه السلام) شيخ المرسلين حيث دعا لهلاك الكافرين تارة وبحفظ المؤمنين اخرى.
فبعد أن استنفذ كل وسائل الدعوة مع قومه ولم تنفع، دعا الله ليهلك قومه، فقد دعاهم ليلاً ونهاراً ولم تزدهم دعوته الّا فراراً، بل و ازدادو استكباراً، و دعاهم جهاراً ثم أسرّ لهم اسراراً الّا انهم مكروا مكراً كباراً... وهكذا مضى النبي نوح ألف سنة الّا خمسين عاماً يدعوهم الّا انهم لم يؤمنوا به الّا القلة منهم بل وكلما مرّ عليه ملأ من قومه وهو يصنع الفلك – السفينة - سخروا منه، هنالك رفع النبي نوح يديه بالدعاء قائلاً: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديار" (نوح /26)
والديار كما يبدو، هو من يسكن الدور والديار، و انها حقاً دعوة بعذاب الاستئصال الذي حقت به كلمة الله عليهم، فما بقي يؤمئذ أحد الّا من آمن بنوح وركب السفينة وما ظنّ النبي نوح (عليه السلام) ولو للحظة بعدم استجابة دعائه رغم طول المدة بل كان واثقاً من نصر الله له وبذلك يعلمنا درساً بليغاً في آداب الدعاء نلحظ في الروايات ايضاً تأكيداً عليه وهو أنّ من شرائط استجابة الدعاء أن يكون الانسان في حالة الدعاء عالماً بأنّ الاستجابة قريبة منه، فلو ظنّ المرء في قرارة نفسه بأنّ دعاؤه لن يستجاب فلا شك سيصدق ظنه. إنما عليه الايمان بأنّه يوشك ان يستجاب دعاءه وان يؤمن بأنّ الذي يدعوه قادرٌ على فعل كل شيء لأنّ اليه مصير العباد وبيده شؤونهم.
فالنبي نوح (ع) دعا على قومه بأن يهلكهم الله بعد السنوات الطوال التي قضاها في دعوتهم الى الايمان بالله الواحد الاحد وفعلاً استجاب الله لشيخ المرسلين وأغرق جميع الظالمين الّا القلة ممن كانوا مع نوح عليه السلام.
غفران الذنب
ثم اردف النبي نوح (ع) بدعائه قائلاً: "ربّ اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين الّا تبارا" (نوح /28). وهذه قمة العبودية لله والخشية منه فبالرغم من الجهاد الطويل في سبيل الحق الذي امتد طيلة حياته الّا انه لم يمن على الله بشيء من طاعاته لإيمانه بأنها ماكانت تكون لولا لطفه وتوفيقه وان الخضوع له والإعتراف بالتقصير تجاهه خير وسيلة للمزيد من القرب منه والسعي في خدمته وانّه حقاً درس يحتاجه كل انسان مؤمن ليقاوم به الغرور وهمزات الشيطان فمهما عمل الانسان جاهداً لنصرة الدين ومهما أفنى عمره في عبادة الله والخضوع له إلا انه يبقى مقصراً تجاهه وهذا ما نلمسه من دعاء الامام الحسين (ع) في يوم عرفه حيث قال: (فلو اجتهدت مدى الاعصار والاحقاب على أن اؤدي شكر واحدة من انعمك ما استطعت ذلك الّا بمنك الموجب علي شركك ابداً جديداً).
ثم دعا نبي الله نوح عليه (ع) لوالديه اذ لهما الفضل فطرياً و تربوياً في وجوده و بناء شخصيته وهكذا نتعلم درس الوفاء لأول معلم يلتقيه الانسان في الحياة إنه لم ينس عناء والديه فيدعو لهم ليجزيهم الله بما عانوا و يغفر لهم خطاياهم، و يدعو النبي نوح (ع) ايضاً للمؤمنين سواء من كانوا في زمانه و انتموا الى مسيرته ام من سيأتون بعده في كل عصر ومصر، وهكذا كان دعاء شيخ المرسلين فسلام على نوح في العالمين .
|
|