خطوات عملية نحو التزكية -3
الخطوة الاولى: الانفاق وسيلة التزكية
|
*السيد سجّاد المدرسي
ما هي العلاقة بين تزكية النفس وتطهيرها، وبين انفاق المال وبذله في سبيل الله؟
الجواب في ذلك يكمن في ان الانسان يميل نحو المال والماديات بطبيعته المجبولة على حب التملّك، فكلما ازدادت امواله وثرواته ازداد تعلقاً وحباً لها، وتتحول الثروة شيئاً فشئياً الى إله – والعياذ بالله- يعبد من دون الله بالنسبة اليه، فتتكاثف كل جهوده في الحياة نحو الوصول اليها ومن ثم الحفاظ عليها وبعد ذلك الاستزادة منها.
هذا ما نراه في حياتنا اكثر من مرة... فكم من فقير صالح تحول الى غني طالح، وكم من منفق في سبيل الله وهو لا يملك الا قوته، تحول الى انسان ثري مترف في الحياة مضيعاً لحقوق الله المودعة في ثرواته، وينقل لنا التاريخ قصة ذلك المهاجر، الذي لم يكن يملك قوت يومه، ولكنه كان راسخ الايمان والعزيمة، يؤدي فرائضه الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه واله، ولم يكن يتوانى عن الهجوم بلسانه على الاغنياء الذين يمنعون حقوق الله، نفس الرجل تحول بسبب درهمين اقرضهما رسول الله صلى الله عليه واله له الى ثري من اثرياء المدينة، وهو نفسه بدا يمنع حقوق الله المفروضة في امواله.
وان الثروة من دون تزكية تحول الرجل المؤمن الى قارون، يخرج على قومه في زينته ليتكبر عليهم، ينقل لنا الامام الصادق عليه السلام قصة حصلت في محضر رسول الله صلى الله عليه واله تبين نتيجة الثروة من دون التزكية: قال عليه السلام: جاء رجل موسر الى رسول الله (ص) نقي الثوب فجلس الى رسول الله (ص) فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس الى جنب الموسر فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه.
فقال رسول الله صلى الله عليه واله : أ خفت ان يمسك من فقره شيء؟ قال: كلا، قال : أ خفت ان يصيبه من غناك شيء؟ قال : كلا، قال: أ خفت ان يوسخ ثيابك؟ قال: كلا، قال : فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، ان لي قريناً يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن، وقد جعلت له نصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه واله للمعسر: أ تقبل؟ قال : كلا، فقال له الرجل: ولم؟ قال: أخاف ان يدخلني ما دخلك.
إن القران الكريم يأمر باخراج الحقوق المالية بشتى انواعها لتطهير النفس من حب الشهوات و تزكيتها من الانحطاط نحو الماديات، ويتعالى المؤمن بمقاومة حب المال فوق جواذب الدنيا الى درجات الاخرة، يقول تعالى: "خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلوتك سكن لهم والله سميع عليم" (التوبة /103). فاخذ المال سبب للتطهير من جاذبية الدنيا، وتزكية من الشحّ المودع في النفس، وكما هو واضح في السياق ان الامرين المذكورين بسبب الصدقة لكلمة (بها).
ومن هنا فان الخطوة الاولى لتجاوز الذات، وترك الهوى للوصول الى الهدى هي محاربة النفس في الانفاق في سبيل الله، وان كان ذلك صعباً، وان لم يفعل ذلك يبقى المرء يعيش في زنزانة الدنيا وشح النفس بينما المنفق في سبيل الله يتحرر من ذلك، ويكون من المفلحين حيث يقول الله سبحانه: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (الحشر /9).
|
|