قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

عراقيون من الدرجة الثانية
*محمد علي جواد تقي
"الوقت بدأ ينفذ..." قالها رئيس اركان الجيوش الامريكية مايك مولن في بغداد وهو يستفهم ما توصل اليه الفرقاء العراقيون في الحكم حول من سيبقى من العسكريين الامريكيين بشكل دائم في العراق، فقد ابلغ رسالة امريكية واضحة الى العراق والعراقيين بان جنوده يستحقون (الحصانة القضائية) إزاء أي مخالفة او جريمة يرتكبونها في العراق. ونحن نردد مع هذا الجنرال ايضاً: "ان ساعة الصفر قريبة ليبدأ وضع جديد في العراق يكون فيه العراقي في وطنه أمام الامريكي انسان من الدرجة الثانية".
لننظر بماذا يفكر المسؤولون الامريكيون وما هي مطالبهم؟ انهم يحرصون على توفير القدر الاكبر من الامان والاستقرار لجنودهم في العراق بعد شهر كانون الاول من العام الجاري حيث تنتهي المدة المتفق عليها لبقاء القوات الامريكية في العراق، فهؤلاء لديهم أمزجة وعادات وتقاليد خاصة بهم، واذا ما اصطدمت هاتيك الثوابت الامريكية مع كل ما نعده من المقدسات والمحترمات، لن يكون هؤلاء مسؤولون امام الضحية وامام مقدساته لانه لايعنيه بشيء، فهو يعيش في قاعدته ومقر عمله. ثم لننظر بماذا يفكر المسؤولون العراقيون طيلة السنوات الماضية....؟ انها المحاصصة السياسية – ظاهرة الفساد – المحاباة – الصراعات والتجاذبات وغيرها كثير من الامور التي لا ترقى بأي حال من الاحوال الى مستوى مشروع بناء بلد وأمة لها ثقافتها الاصيلة وحضارتها العريقة. طبعاً الخبر ليس جديداً من نوعه، وليس العراق هو اول من تقيم على اراضيه قوات امريكية فهنالك بلدان تحمل نفس الداء مثل كوريا الجنوبية واليابان والمانيا هذا فضلاً عن دول قريبة منّا مثل الكويت والسعودية. لكن الفارق ان الشعب العراقي لم يقضي السنوات الماضية في استعادة انفاسه وقوته النفسية وكرامته ومنعته ولم ينفض عنه آثار الحرمان والاضطهاد والتنكيل، انما تلقى فصلاً جديداً من المعاناة النفسية والبدنية على كافة الاصعدة، حتى بات المسؤولون وفي أعلى قمة الهرم يسكبون على اسماع الناس كلمات التهدئة والتسكين لان التغيير نحو الافضل خلال فترة قصيرة بعيد المنال وبحاجة الى فترات وسنوات و....! – كما يقولون هم- والمواطن العراقي على هذه الحالة التي يرثى لها من ألم الضغوط والمنغّصات من جانب الخدمات وفرص العمل والسكن والغلاء وغيرها، عليه ان يقبل بواقع جديد بان يكون مستباحاً في أي لحظة من مركبة امريكية في منطقة ما او من تصرف او موقف امريكي، ثم يسكت ويتراجع وإلا يكون مداناً امام القانون العراقي! وإن طلب استيفاء حقه، فان القانون الامريكي سيتكفل بذلك!
في افغانستان حصل ان قتل خمسة جنود امريكان ثلاثة مواطنين افغان عزّل بطريقة ظالمة وتعسفية، وحسب ما نقلته وسائل الاعلام فان الجريمة جرت بدم بارد ولم تكن في اجواء مواجهة مع ارهابيين (ولاهم يحزنون)، فما كان من المسؤولين الامريكيين الا ان سحبوا الجنود الجناة الى الولاياة المتحدة وهناك صدرت بحقهم احكام بالسجن لكل واحد منهم ثلاث سنوات فقط. وعودة الى (عراقنا)، فلا أدري ماذا كان وراء نشر وسائل الاعلام الامريكية نبأ الافراج عن المعتقل بتهمة التعذيب والاساءة في سجن (ابوغريب) بعد مضي ست سنوات رغم ان مدة حكمه هي عشر سنوات؟ لكني يمكن ان اتلمّس خيط علاقة بين قرار المحكمة الامريكية غير العادل بحق قتلة المدنيين الافغان وبين الكمين المفاجئ الذي تحطمت فيه المروحية الامريكية الضخمة (شينوك) بفعل قذيفة (آر بي جي) اطلقها احد مقاتلي (طالبان) وقتل ثلاثين جندياً امريكياً من افراد القوات الخاصة. فالحادث جاء بفاصل ايام معدودة، وإن لم يكن ثمة علاقة فان عوائل الضحايا الافغان وسائر الناس هناك هم سيخلقون هذه العلاقة بانفسهم.
لاشك ابداً ان المسؤولين وابناء الشعب في العراق بكل فئاتهم وشرائحهم ينشدون السلام والاستقرار، لكن هل تكفي التمنيات؟ وهل دفعنا ثمن هذا الطموح الكبير؟ بالطبع كلا؛ والدليل هو ان الحالة النفسية والمعنوية للشعب العراقي خلقت حالة من التوتر تحمل معها عوامل الانفجار لأبسط احتكاك او مشكلة مع الامريكيين، لاسيما وان هنالك شريحة لا بأس بها من الشعب العراقي بعد لم تتنعّم شكل كافٍ بالتغيير الذي قام به الامريكيون في التاسع من نيسان عام 2003. وهذه الحالة – حسبما اعتقد والله العالم- هي التي ستحدد مصير ومستقبل العراق، سواء وافق البرلمان على سنّ قانون (الحصانة) أم رفض، لان العراق وشعبه يبقى في نظر الامريكيين وربما العالم بحاجة الى مراقبة واعادة تأهيل طوال فترة زمنية غير منظورة!