سماحة المرجع المُدرّسي خلال دروس التدبر القرآني الرمضانية:
لايمكن مواجهة الاختراق الثقافي لمجتمعاتنا دون التمتع بقاعدة راسخة في العقائد
|
الهدى/ محمد الموسوي:
كما هو منهجه في شهر رمضان من كل عام، يواصل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي حفظه الله محاضراته في التفسير والتدبر في القرآن الكريم. وفي رمضان الحالي يكمل سماحته درس التدبر الذي بدأه في سورة الروم في رمضان العام الماضي وتوقف حينها عند الآية (30) من السورة المباركة، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) .
وبحضور جمع من اساتذة وطلبة العلوم والحوزات الدينية، اشار سماحته في افتتاح درس التدبر لهذا العام ، ان الهدف من هذه السورة المباركة هو أن (يستطيع الانسان كشف الحجب التي تحيط به، و الوصول الى الحقائق ..)، وقال سماحته في هذا السياق (قد يكون خطاب القرآن فردياً كما في هذه الاية (الروم:30) و ذلك لبيان حقيقة هامة وهي أن على الانسان عدم التأثر بالمحيط فاذا انحرف كل الناس ينبغي على المؤمن ان يبقى صامداً مستقيماً .. فاذا فرضنا ان كل الناس في مدينة معينة اصبحوا بأعمالهم من اهل جهنم (و العياذ بالله) ، على المؤمن السعي على ان لا يكون منهم، و كما يقول الامام الحسن المجتبى (ع) : اوحشر مع الناس الى نار جهنم عيد؟! ). وتابع : (علينا وعليكم اخواني ان لا تنظرو دائماً الى المجتمع المحيط بكم، وان لانتأثر بقيوده واغلاله وانحرافاته، لأن هذا المجتمع لاينفعكم في القبر ولأنكم تنامون في القبر وحدكم، و يوم القيامة يحشر الانسان فرداً ..اذن علينا تحمل المسؤولية و اختيار الصراط المستقيم من دون التأثر بالمحيط ).مشددا على ان ( لا يتخذ الانسان دينه لعباً متزلزلاً يتأثر بكل وسوسة وانما يقيم الدين بارادة صلبة و عقائد راسخة و ايمان قوي ..). واشار سماحته في هذ االسياق الى ( اننا اليوم نعاني من اختراق ثقافي، و انتشار الثقافات الغربية في مجتمعاتنا، ذلك لأننا تركنا القاعدة و الاساس , فلا يمكن للذي يتربى بالاحساسات و العواطف ان يستقيم و يقيم الدين، ولكن الذي يتمتع بقاعدة راسخة في العقائد يستطيع الاستقامة و اذ كنا نريد مواجهة الاختراق الثقافي علينا الاهتمام بعقائد الناس و ترسيخها فيهم ..)
وفي سياق التدبر في أيات اُخر من السورة المباركة اشار سماحة المرجع الى أن الشرك ( يعدّ جذر جميع المشاكل التي يمرّ بها الانسان ، بما في ذلك التخلف والحروب..) موضحا أن ( الشرك الذي يقصده القرآن غير ذلك الذي يفهمه الناس , اذ أنّ الشرك لدى الناس هو ان ينصب الفرد لنفسه صنماً ليعبده ولكنّ و ان كان هذا المصداق البارز للشرك غير انه في تعابير القرآن للشرك دلائل اعمق بكثير من هذا المعنى). و اضاف سماحته في سياق التدبر بالآية 31 من السورة المباركة (مُنيبينَ إِلَيْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكينَ )أن (.. معنى الشرك أن يكون للانسان معياران يتحرك بهما فالمؤمن ليس له معيار سوى الرب، فهو يقول دائماً إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكينَ ) و حينما يكون للانسان معيار واحد و طريق واحد ينتفي الشرك ولكن –ومع الاسف- فإنّ اغلب الناس لهم معياران يتحركون من خلالهما ,احدهما الرب، و الثاني يختلف من شيء الى آخر .. ولذلك تراه يعيش دائماً في تناقض و في فوضى عارمة حتى ان القرآن يعبر عن مثل هؤلاء ليقول: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً . اي غير منظم .فتارة يتوجه نحو الله ورسله و شرائعه و تارة يوجهه هواه و اهله و وطنه. وتساءل سماحته عن المعايير الاخرى التي تسبب للانسان الشرك ؟،وقال في الجواب ان المعايير التي تغفل الانسان هي : 1/ الذات : يقول ربنا تعالى أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواه (23الجاثية) حيث انه لا يرى سوى نفسه انه يرى كل شيء من خلاله هو فلا يعير للآخرين اي اهمية و لذلك تراه يتكبر او يتعالى على الناس و بكلمة لو أننا لم نستطع الخروج من سجن الذات لما امكننا التوصل الى رحاب الخالق عزوجل. 2/ الاهل : يقول الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ . ينبغي ان لا يكون الاهل من الزوجة و الاولاد كالصنم الذي يتخذه الانسان من دون الله فليس له هم في الحياة سوى الامكانات و الرفاهية الذي يوفره لهم .3/ العِرق : من التعصبات القبلية و العشائرية التي احدثت خلال نصف قرن حربين عالميتين راح ضحيتها اكثر من 30مليون انسان و التي نعاني حتى الان من آثارها المشؤومة بقيام الدولة الغاصبة في القدس و هكذا الحروب العشائرية و القبلية . 4/ الارض: حيث تمّ تقسيم الدول و صار الناس مختلفين حسب ذلك ولو نظرنا الى التاريخ القريب لوجدنا ان كثيراً من الحروب جرت بسبب قطعة من الارض . واشار سماحته بالشرح والتفصيل الى عوامل واسباب اخرى في هذا السياق.
|
|