كيف نشجع أبناءنا على الصّراحة؟
|
*إعداد / إيمان عبد الأمير
من الأمور التي يعاني منها معظم – إن لم نقل جميع- أولياء الأمور من آباء وأمهات، الفاصلة الموجودة في علاقاتهم مع أبنائهم، وهذا يشكل خطراً داهماً على الأسرة في وقت يسهل على الفتاة والفتى مد جسور العلاقة مع القنوات الفضائية ومواقع الانترنت، والتي هي بدورها تفتح نوافذ العلاقات الواسعة والمشبوهة في معظمها ولا يحدّها حدود أو موازين أخلاقية.
إن لهذا الوضع الشاذ الذي نعيشه أسباب كثيرة يقف في مقدمتها فقدان الصراحة بين الوالدين وأبنائهما، لذا نجد الابناء وفي مراحل عمرية مختلفة بل حتى مبكرة تلجأ الى وسائل الاعلام والاتصال المتطورة علّها تجد النافذة التي تبثّ من خلالها همومها وشكواها، أو حتى افكارها في الحياة.
فهل يمكننا فعلاً أن نكون تلك النافذة الآمنة لأبنائنا ونضع بكل شجاعة مرآة الصراحة أمامهم؟
حدث أحد الآباء أن سأل أولاده مرّة: هل تتحدّثون معي بصراحة في الأمور الخاصّة والأخطاء التي ترتكبونها؟
قالوا: لا!
قال: لماذا؟ وما الذي يمنعكم؟
تجرّأ أحدهم وقال: سببان: الأوّل: الحياء، وثانياً: الخوف!
سأل الأب: الحياء ممّن؟
قال الإبن الجريء: منك؟!
قال الأب: لماذا تستحون منّي، ألستُ أنا أبوكم، والذي يكنّ لكم الحبّ من أعماق قلبه، والأقرب أليكم من الآخرين ؟
قال: لأنّنا نحترمك!
قال الأب: والخوف؟
قال: لأنّنا نهابك!
قال الأب: هل تخشون أن أعاقبكم مثلاً؟!
قال آخر وقد وجد الفرصة مناسبة للصّراحة: ليس الخوف من العقاب فقط، غضبك علينا أو شعورك أنّنا جلبنا لك عاراً ربّما يمنعنا من أن نصارحك بأخطائنا، ونحن لا نريد إغضابك.
هذا المقطع الذي نقله أحد الآباء ربّما يلخِّص حالات كثيرة مماثلة، وكأنّ الأب إيّاه يسأل: كيف لي أن أحقِّق معهم قدراً أكبر من الصّراحة؟
بداية، لابدّ من الإقرار بحقيقتين:
الأُولى: أنّ الشابّ أو الفتاة مهما بلغا من الصّراحة مع أبويهما، تبقى هناك مساحة غير مكشوفة و سرِّية لا يكشف النقاب عنها، وهذه قضيّة ليست خاصّة بالشبّان أو الفتيات وحدهم، فنحن كأولياء أمور لدينا مثل هذه المناطق أو المساحات التي نحتفظ بها لأنفسنا، وهو أمر مطلوب وحسن.
الثانية: أفضل سبل الصراحة والشفّافية والمكاشفة أن نكون صريحين معهم بشكل نستقطب بها صراحتهم، ولذلك فإنّ اعترافنا بأخطائنا سيدفعهم إلى الاعتراف بأخطائهم، والصراحة اعتياد وعادة. كما أنّ الحديث الذي يأخذ طابع الأمثلة والأرقام والوقائع، مشجِّع على الصراحة أكثر من حديث العموميّات أو المفاهيم والأخلاقيّات المجرّدة.
و حتّى نزيح (ستار الحياء) قليلاً، لابدّ من أن نصل معهم إلى درجة أنّهم يحدِّثوننا وكأنّهم يتحدثون مع أصدقائهم، ولكي نكون واقعيين، فهذه درجة من الصعب الوصول إليها، إذ يبقى الصديق الحميم أكثر معرفة ببعض التفاصيل منّا، لذا يتطلب هذا قدراً كبيراً من الذكاء والحنكة، بحيث يحتفظ الأب أو الأم بمنزلتها ومكانتها مع الاحتفاظ بقلب الابن وكوامنه.
ولكي نرفع (حاجز الخوف) أيضاً، لابدّ أن نتعامل مع الأخطاء برفق؛ لأنّ تجربة الشابّ الخاطئ مع أبيه الذي نهره بقسوة، وأنّبه بعُنف، وتجربة الفتاة الخاطئة مع أمّها التي لم ترحم ضعفها، اذا وبّختها أشدّ التوبيخ والتقريع، ربّما لا يشجّع الشابّ أو الفتاة مستقبلاً على فتح باب الصّراحة مع هكذا والدين مخافة أن تكون المعاملة أسوأ.
إن الأب الذي يحتضن ابنه كلّه، بكلّ عيوبه ونقائصه وخصاله وخصائصه، ويتذكّر شبابه وضعفه وأخطاءه، وكيف كان الأسلوب الرقيق يساعده على تجاوز ضعفه وتفادي أخطاءه، والأمّ التي تستحضرُ تجربتها وهي فتاة، وكيف كان الصّدر الحنون يخفّف من وقع آلامها، والكلمةُ الطّيِّبة تخفّف من وطأة أخطائها وجهلها، يكونا عندئذ أقدر على المصارحة.
وقد لا يحصل الوالدان على صراحة الأولاد مبكِّراً لمهابتهما واحترامهما والديهما، ولكنّهما يجب أن لا يمارسا الضغط للحصول عليها، فلن تأتي الصراحة مع الضغط الشديد، إنها كنبع الماء تتحرّك تحت السطح في انتظار أن تجد تربة رخوة لتعبِّر عن نفسها بعفويّة.
إن أسئلة التحقيق والمحقِّقين لن تجدي نفعاً، و انتزاع الاعترافات لن يوصل إلى نتيجة، إزرع المزيد من الثّقة، والمزيد من الحبّ والشّفقة، والمزيد من الصّراحة من جانبك والمزيد من العطف واللّطف، ستبلغ غايتك، حتّى لو لم تبلغها، فإنّك تكون قد عملت ما ينبغي عمله، والنتائج ليست دائماً موافقة لحجم التطوّرات.
|
|