قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

التفرّد بالرأي. . عواقب مدمرة في الحاضر والمستقبل
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *يونس الموسوي
ماالذي يُهلك الملوك؟ وماالذي يُدمّر البلدان؟ وماالذي يُقحم الناس في الحروب؟
انه زلّة رأي لملك أو رئيس أو وزير تكون سبباً لاتخاذ أفضع القرارات التي تؤدي إلى إسقاط التيجان وتغيير العروش والصولجان.
على سبيل المثال لا الحصر، فأن العراق خاض العديد من الحروب واقتحم الكثير من المشاكل والأزمات بسبب قرارات جنونية وفردية خاطئة، ومن يقرأ التاريخ السياسي لهذا البلد، وطريقة إتخاذ القرار السياسي لدى السلطة الحاكمة بإمكانه أن يفهم الأسباب الحقيقية وراء كل هذه المشاكل والأزمات التي دخلها العراق، وبالطبع فان العلوم السياسية تطورت كثيراً وهي تقدم وسائل بحثية مهمة في هذا المضمون إلا إن الدين الاسلامي الحنيف له أيضاً إطروحته ويناقش الموضوع من قاعدته الأصيلة.
الرأي والتجربة والرأي وسداده، الرأي ومواقع الخطأ، الرأي والخيارات المتاحة... والكثير الكثير من الموضوعات التي تناقشها السنة الشريفة وتضعها أمامنا، لنتعلم ونتقدم وتزدهر حضارتنا، فهل تعلمنا وازدهرت حضارتنا؟
حتى إذا تعلمنا فإننا لن نعمل بهذه الحكم العظيمة التي لو كانت لدى الأمم الأخرى لكتبوها بماء الذهب وعلقوها في مكاتب الوزراء والرؤساء، من أجل الاعتبار والعمل بها، ولكن أسفاً على تلك الجواهر التي وقعت في أيدي من لايعرف قيمتها!
هذا هو الإمام علي عليه السلام يوضح أهمية هذا الموضوع ويقول: (زلّة الرأي تأتي على المُلك وتؤذن بالهلك)، ومن هنا لابد أن نعرف أهمية الموضوع بالنسبة إلى حياة الأمم والدول، ومن أجل تقريب ذلك إلى الأذهان نتساءل: لماذا لابد أن يكون عمر الدولة الأموية كذا من السنين؟ ولماذا عمر الدولة العباسية بعدد آخر من السنين؟ ولماذا إنتهى عصر الدولة العثمانية بهذا الشكل؟ ولماذا لابد أن تكون نهاية طاغية مثل صدام بهذا الشكل؟
هناك العشرات من الأسئلة التي يمكن أن نطرحها بما يخص تاريخ البلدان والحكام، لكننا نستطيع أن نجد الجواب لتلك الأسئلة كلها في الرأي الذي يتبناه القائد ويحوله إلى قرار ملزم لكل أفراد الأمة.
إذا تساءلنا وقلنا: هل كان الطاغية صدام قوياً أم ضعيفاً؟ فإن الكثيرين سيقولون بأنه كان قوياً، والحال اننا سنطبق حديث أمير المؤمنين عليه السلام الذي يقول: (من ضعفت آراءه قويت أعداؤه) فصدام الذي كان الحاكم الأوحد في العراق ولديه ملايين المؤيدين إستطاع بضعف آرائه أن يحول هؤلاء الملايين الذين يوالونه إلى أعداء، واستطاع بفضل ما يملكه من الغباء أن يحول جميع شعوب العالم إلى أعداء له ويهيء الفرصة للعالم لينقضّوا عليه ويستريحوا منه، فهو بهذا الشكل قضى على نفسه بيده.
حتى إذا لم نشأ الإكتفاء بحديث الإمام علي عليه السلام فأن علم السياسة أيضاً يقول (ألف صديق ولا عدو واحد)، وهناك الكثير من التعليمات السياسية والمبادئ الدبلوماسية التي تتضمن هذه القيم التي تنبذ استعداء الناس، ألم يعلم صدام حسين بهذه القيم وهذه المبادئ، ولماذا لم يعرها أي اهتمام؟
القضية تكمن في طريقة إتخاذ القرار السياسي لدى كل سلطان وحاكم، فهناك من لايسمع لرأي أحد، وهناك من يأخذ بأضعف الآراء، وهناك من يأخذ بالرأي من دون دراسة الآراء الأخرى، وفي كل الحالات فأن هذا الرأي يقرر مصير البلد والحكم وهوالذي يطيل في عمر السلطان أو يؤدي في خاتمة أمره إلى القتل بالسيف أو بالشنق كما آل مصير الطاغية صدام.
ما يهمنا هنا رؤية الإسلام في هذا الموضوع، وكيفية الوصول إلى أفضل الآراء، وكما لاحظنا فأن الدين الإسلامي يعطي هذا الموضوع أهمية خاصة ووجدنا كيف أن الإمام علي عليه السلام يحذر من زلّة الآراء وكأنها قد تقود إلى دمار الدولة وهلاك السلطان.
هنا، ما الذي يجب فعله لتجنب الآراء التافهة وغير المصيبة؟ لأن مثل هذه الآراء ليست حكراً على الأفراد الذين يتّسمون بقلة الذكاء فما عدا أولئك فأن الناس العقلاء والمعروفين بالحكمة هم أيضاً قد يرتكبون مثل هذه الأخطاء ويتبنون مثل هذه الآراء الضعيفة. وقد قال الإمام علي عليه السلام: (قد يزل الرأي الفذّ)، فالآراء الخاطئة ليست مقتصرة على الجهلة وضعاف العقول بل قد يقع فيها أصحاب الحزم والعقل، كيف ذلك؟ لأن الرأي الصائب هو حصيلة عملية فكرية دائبة، يجب أن يقوم بها المرء حتى يصل إلى مبتغاه، وقال الإمام علي عليه السلام في ذلك (إضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب)، وفي نفس المعنى قال الإمام عليه السلام أيضاً: (امخضوا الرأي مخض السقاء ينتج سديد الآراء) وفي هذا الزمن الذي توسعت فيه الحياة وكبرت فيه مشاكل الناس، وتضخمت فيه قضايا البلدان، فإنه من غير المعقول القبول بالحكم الفردي الذي يعتمد الرأي الواحد لمعالجة مشاكل البلد وقضاياه.
ليس المقصود بالحديثين الذين أتينا بهما بخصوص صحة وسقم الآراء هو بالضرورة دعوة إلى التعددية، وإنما المقصود هو وضع الرأي في المختبر العقلي وطرح الأسئلة عليه بمختلف الوجوه والأشكال، والتي تقودنا دائماً إلى نتيجة واحدة وصائبة.
صحيح أن رأي الرجل على قدر تجربته كما قال الإمام علي عليه السلام، إلا إن هذا الحديث أيضاً يؤكد على أن تعدد الآراء وتعدد التجارب يساعد على إتخاذ القرار الصائب، فإذا كان الرأي الواحد مطروحاً للنقاش على عدد من الأفراد سيكون الحكم عليه أصوب من إذا كان الذي يناقش الرأي هو شخص واحد.
لكن هذا الحديث أيضاً ينبهنا إلى أننا إذا أردنا الاستفادة من آراء الآخرين، أو أردنا الاستفادة من مستشارين في أعمالنا السياسية وغيرها فأن هذا الحديث يرشدنا إلى أن نستشير في ذلك الرجل صاحب التجارب الكثيرة في الحياة، لأنه صاحب آراء سليمة وصائبة.
ومن هنا يقولون لنا أن نتعلم من كبار السن وأن نأخذ آراءهم ونستفيد من تجاربهم، وبالطبع ليس الجميع هم ممن استفاد أو تعلم من تجارب الحياة، فليس كلهم ممن تسيل الحكمة على لسانه، لكن رغم انه لم يدخل الجامعة ولم يحظ بشهادة علمية لكنه يتكلم أفضل من أي استاذ.