القرآن الكريم. . خير ما نورثه لأولادنا
|
*محمد موسى
ان خير ما يُثبَّتُ في نفوس أطفالنا عقيدة الايمان بالله واليوم الآخر، ويفسح أمام عقولهم آفاق العلوم والمعارف الإنسانية هو القرآن الكريم، هذا الكتاب "الذي لا ريب فيه هدى للمتقين"، وهو الرسالة الإلهية الخالدة، ومستودع الفِكر والوعي، ومنهج الاستقامة والهداية، ومقياس النقاء والأصالة الذي يسكب في قلوب أولادنا برد الطمأنينة والرضا، ويربي في نفوسهم القيمة الخلقية والسلوكية ويمنحهم الفصاحة وحسن النطق وسلامة المنطق فضلاً عن تزويدهم بالوعي والمعرفة، فهل أفضل من هذه الكنز ما يمكن ان يورث الى الأبناء؟!
يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام انه قال: (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن) فهذا الامر يعد من الواجبات التي لاتنفع الأبناء فحسب وإنما ترجع بالفائدة على الآباء أيضا؛ فنحن نعلم علم اليقين أننا جميعاً راحلون عن هذه الدنيا وخير ما نخلف هو صدقة جارية او علم نافع او ذرية صالحة تدعو لنا، وأي ذرية افضل من ذرية تحمل القرآن وتعمل بهّ! لذلك كلنا مسؤولون عن ربط قلوب أطفالنا بالقرآن وفتح عيونهم على آياته حتى يعرفوا ان آياته الكريمة بلسماً لنفوسهم وغذاءً لأرواحهم ؛ فعلينا مسؤولية بأن نخلّف الى أبنائنا تراثاً مفيداً؛ وأنعم بالقرآن تراثاً حيّاً، يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: (ما من رجل علم ولده القرآن إلا توج الله أبويه يوم القيامة بتاج الملك وكُسيا حليتين لم ير الناس مثلهما)، وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله: (من علم ولداً له القرآن قلده قلادة يعجب منها الأولون والآخرون يوم القيامة).
ولكن السؤال هنا: كيف يمكننا ان نورّث ذرياتنا القرآن؟
أن القرآن الكريم كتاب الله المُعجزة، وآياتُه كلها مُعجزةٌ بلفظها ومعناها، وإذا كان القرآن الكريم مصدراً رئيساً للتربية الإسلامية كما يُجمع على ذلك العُلماء والكُتاب والباحثين؛ من ذلك تظهر أهمية تعليم الاجيال الناشئة كتاب الله وتربيتها تربية قرآنية ليُبنى جيل قرآني بعيد عن الانحراف والخرافة والبدع والمادية الجاهلية، يحمل خصائص جيل الرسالة و روحه و وعيه؛ وهنالك طرق نذكر منها:
1- أن نحبّب القرآن الكريم إليهم، ونقربه الى نفوسهم، وذلك بالمكافأة تارةً والتشجيع تارةً اخرى، إن اهداء الطفل ولو قطعة حلوى لحفظ سورة قصيرة أو آيات معدودة، تُعد مكرمة وهدية تدخل السرور والبهجة في نفس الطفل، يشعر معها انه قام بعمل مهم يستحسنه الكبار، وعندما يتقدم الطفل في العمر، سيعرف اهمية ما يقوم به أكثر وعندما يتلقى انواع اخرى من التشجيع الذي سيأخذ طابعاً معنوياً بحضوره في محافل أو دورات تعليم او مسابقات.
2- بما أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فإن أفضل مراحل تعلم القرآن، هي السنوات الأولى من عمر الطفل؛ حيث يكون ذهن الطفل طرياً، وقلبه ابيضاً خالياً من الشوائب التي ربما تمنع من التوجه الى الكتاب وآياته، كما هو الحال في بعض الاولاد ممن هم في سنين المراهقة او مرحلة الشباب، وإذن، فان مرحلة الصغر تُعد فرصة لا تعوض للأبوين، وكل يوم يمضي انما يتقدم الطفل نحو مرحلة جديدة من التفكير والشعور والمدارك لما حوله، فان كانت الارضية صالحة نظر من خلالها وقيّم الامور على أساسها والعكس بالعكس.
3- بما اننا نجد اليوم مختلف الوسائل المؤثرة في ثقافة الطفل تنهال عليه من كل جانب، ونخصّ بالذكر الشاشة الصغيرة وقنواتها الفضائية، فان علينا مسؤولية عظيمة بان ننظم برنامجاً لاطفالنا لتعلّم القرآن الكريم و بالتدريج، وليس بالضرورة ان نرغم الطفل وهو في مراحله الاولى في النطق بان يقرأ آيات القرآن كما نقرأها ثم يحفظها، بل من الضروري ان يعرف مكانة القرآن وانه ليس كتاباً عادياً يلهو به، فمثلاً علينا افهامه بقدسية هذا الكتاب من خلال تقبيله وان لايترك على الارض بل يوضع في على الرف وفي مكان عالٍ على يوضع عليه شيء وهكذا من السلوكيات والتصرفات الممهدة لتلقّي آيات الذكر الحكيم عن طيب خاطر وشوق كبير. هنا سيعطي الطفل الاهمية للقرآن الكريم كما يعطيها لمتابعته برامج الاطفال عبر التلفاز، بل يُرجى ان يكون اكثر.
4- الاستفادة ما امكن من التقنية الموجودة في وسائل الاعلام مثل اقراص (سي – دي) او الانترنت او بعض القنوات الفضائية التي تبث برامج تعليم القرآن الكريم، الى جانب ترغيب الاطفال على اقتناء الكتب والخاصة بتعليم القرآن ومطالعتها، كل ذلك سيكون خطوة نحو حفظ القرآن الكريم، فإن تم ذلك ثقافة القرآن الكريم ستمتزج بضمائرهم وعقولهم، والحفظ يأتي طوعاً، فإنهم ان أحبوه تمسَّكوا بتعاليمه، ومن ثمَّ لن يضلِّوا أبداً.
وهنا تجدر الاشارة الى قصور كبير في مجال تعليم القرآن الكريم ترتكبه المناهج الدراسية الحكومية في معظم البلدان الاسلامية لاسيما في العراق، حيث نجد اهتماماً بالغاً باللغات الاجنبية ولغة الحاسوب ورموزها في دروس ابنائنا، لكن ليس ثمة اهتمام جدي بالقرآن الكريم سوى حفظ الآيات لفظياً كما هي كلمات مجردة من أي روح ومعاني ودلالات عظيمة وحياتية. وهذا بالحقيقة يؤكد لنا اهمية وحساسية القضية، بأن لا نترك اطفالنا للقدر وأن يتعلموا كيفما حصل، لأن كما الحياة اليوم هو سباق في المجالات كافة، ومنها الثقافة والفكر، فان لم يتعلم الطفل القرآن الكريم في مراحله الاولى وينهل من علومه ونهجه، فإن هنالك علوم مناهج وافكار كثيرة ستحتوشه وتهيمن عليه وبعد مضي سنين لانجد امامنا ونحن في مرحلة الشيخوخة سوى شباب ربما مقبلين على الزواج، وهم يجهلون قراءة سورة واحدة عن ظهر القلب، وهذا ما لا نرجوه لمجتمعنا المسلم.
|
|