آيات هجرتها الأمة
القرآن الكريم و منهج تحرير الأمة
|
*الشيخ زكريا داوود
"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". (سورة الأعراف /آية 157).
عندما نتحرك في حياتنا انطلاقاً من القرآن الكريم فإننا نسير في طريق يؤدي بنا نحو تحقيق أفضل إنجاز في حياتنا القصيرة، وهذا ما يميز المنهج القرآني عن غيره، فهو يسلك بنا أفضل الطرق وأقربها لأفضل النتائج وأحسنها، لأن القرآن كلام الله الذي خلق الخلق وهو يعلم ما يصلحهم وما يفسدهم وما يفيدهم وما يضرهم.
من هنا سوف نخوض في غمار الآيات القرآنية لنكتشف أفضل الطرق والأساليب التي من خلالها نصلح أنفسنا ومجتمعنا و واقعنا، لأن القرآن الكريم أنزله الله بصائر وهدى، "ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ" (سورة البقرة /2)، ولكي نكتشف ونصل للهدى علينا أن نقترب من آيات الذكر، وما لم نفتح عقولنا أمام معطياتها فلن نستفيد منها ولن نحقق الهدى في حياتنا، كالعطر ما لم نفتح حاسة الشمّ عندنا فلن يغني النظر للعطر.
وبالطبع كل إنسان في الحياة يسعى ليصل إلى أهدافه ويحقق طموحاته وبأسرع وقت ممكن وأقل عناءً ومشقة، لكن تختلف أفكار الناس ونظراتهم حول تلك الطرق، ولذا تختلف أساليبهم في الوصول إليها، وقد يكتشف الإنسان بعد مدة من الزمن أن الطريق الذي يسلكه لتحقيق طموحه لا يؤدي إليه ولا يوصله له، وهنا يشعر أنه قد أضاع الكثير من الوقت وقد تكون الكثير من الفرص قد فاتته.
ويأتي القرآن الكريم المهيمن على المعارف والذي يعد أعظم كنز وموهبة أعطاها الله للإنسان كي يفيد منه في عدم إضاعة عمره هباءً، ويقول للإنسان اتبعني أهديك وأوصلك إلى ما تريد تحقيقه من طموحات وأهداف سامية، بل القرآن يقول للإنسان أي الأهداف التي عليه أن يسعى لتحقيقها، لأن الإنسان قد يخطئ حتى في رسم أهدافه وليس فقط في الطرق التي توصله إليها.
منهج الإتباع في القرآن الكريم
والآية القرآنية التي بدأنا بها بحثنا ترسم لنا الأهداف والطموحات والسبل لتحقيقها، ومن خلال قراءة فاحصة للآية نلحظ أنها تضع أمامنا مجموعة من المبادئ والقيم السامية التي تكتسب حياتنا من خلالها معنى واقعياً وحضارياً ويمكننا أن نوجز تلك المبادئ في بنود نتحدث عنها تفصيلاً فيما يأتي وهي:
1- الإصلاح الحضاري (الأمر بالمعروف).
2- حلية الطيبات(فكرية.سلوكية.مادية).
3- الحرية النفسية (الإصر).
4- الحرية الاجتماعية (الأغلال).
5- تعظيم النبي الأكرم (ص).
6- نصرة النبي (ص).
7- إتباع القرآن (اتبعوا النور).
8- الفلاح (تحقيق الأهداف النبيلة).
من المهم جداً أن نعرف كيف نبني علاقة سليمة مع كل طرف من أطراف المجتمع، وبقدر أهمية الأشخاص في المجتمع ومكانتهم وما يمثلون تكون محددات وضوابط وحدود العلاقة، وتكمن خطورة الخطأ في العلاقة مع الأشخاص باختلاف ما يمثلون من امتداد ومكانة، وهنا بالذات تكمن أهمية المنهج الذي يرسم للإنسان علاقاته، فالخطأ في العلاقة مثلاً مع صاحب دكان خضار يختلف في خطورته وتموجاته وتأثيراته عن الخطأ فيمن يرسم لنا علاقتنا بالسماء ويحدد لنا مصير حياتنا الأخرى.
"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ".
معنى الإتباع
الإتباع لغةً، مأخوذ من (تَبِع)، وهو يعني المشي خلف الشيء، ويقال: (اتبعه)، إذا سبقه وسار أمامه، وقد وردت لفظ تبع ومشتقاته في القرآن الكريم ما يقارب 154 مرة، ومن خلال قراءة موارد تلك الآيات المباركة يمكننا أن نفرق بين الإتباع والطاعة والتي وردت في آيات عديدة كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ" (سورة محمد /33)، أن الطاعة موقوفة على الأمر والنهي، وليس كذلك الإتباع، إذ يأتي كثيراً في غير مورد سبق الأمر والنهي.
وهناك آيات جاء الإتباع فيها مقابل العصيان، مثل: "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (سورة ابراهيم /36)، ومثل: "وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (سورة هود/ 59)، وقد أتت الطاعة عطفاً على الإتباع: "وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي" (سورة طه/ 90)، وقد جاء الإتباع مقابل الكراهة: "اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ".
ومن خلالها نستشف العلاقة بين الإتباع وبين الطاعة والعصيان والكراهة ونحوها، كالانقياد والامتثال، فهما تابعان للأمر والنهي كالطاعة تماماً بخلاف الإتباع، وسوف نأتي في بحوث قادمة لنعرف دلالات تلك المفردات ومعانيها في النظرة القرآنية.
ومن خلال هذا السرد الموجز يمكننا أن نعي خطورة الإتباع، إذ أنه يرسم للإنسان المسار الذي يوصله لهدف ما، فأنت عندما تتبع شخصاً ما أي تمشي خلفه فإنك سوف تصل وتمر بكل ما مر به ذلك الشخص، ولهذا يهتم القرآن كثيراً في تكريس مبدأ الإتباع في المجتمع الإسلامي، وفي علاقة الرسول بكل الأقوام والمجتمعات الأخرى، كقوله تعالى: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ"، فهذا الإتباع للرسول الكريم (ص) يوصل أهل التوراة والإنجيل إلى نتائج عظيمة، فهي أولاً: تحقق نبوءة توراتية وإنجيلية، لأن هذا الرسول (ص) قد بشرت به تلك الكتب، فلو كانوا حقيقة يتبعون تلك الكتب السماوية التي يدعون أنهم أوصياء عليها ويعلمون بما فيها، لأتبعوا هذا النبي الأمي، ومن ثم سوف يحقق هذا الإتباع الفلاح الذي يأتي بعد أن يكرس ويحقق منهج الإتباع كل مصالحهم وطموحاتهم الواقعية والحقيقية: "وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (سورة محمد /28).
*رئيس تحرير مجلة البصائر
|
|