السعيد من اتعظ بغيره
|
محمد العويصي (*)
من حكايا (كليلة ودمنة) أن أسدا وثعلبا وذئبا أصابها الجوع، فقررت الخروج معا لاصطياد الطرائد، فوقعت على غزال وأرنب وحمار، فقال الأسد للذئب: (ما رأيك لو تقسم الغنائم بالعدل؟)، فجاء رد الذئب: (الغزال لي، والحمار لك، والأرنب للثعلب) ما إن أكمل حديثه حتى لطم الأسد رأس الذئب لطمة قوية فطار من مكانه!
ثم التفت إلى الثعلب قائلا: (اقسم أنت بالعدل؟) فقال الثعلب: (مولاي الأرنب لإفطارك، والحمار لغدائك، والغزال لعشائك)!. انفرجت أسارير الأسد لهذه الإجابة، فقال للثعلب: (ومن علّمك هذه القسمة العادلة؟!)، فجاء الرد الذكي: (من رأس الذئب الذي طار).
أعجبني الرد الذكي للثعلب وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على نباهته وسرعة اتعاظه برأس الذئب الذي طار.
يذكر لنا التاريخ السياسي موقفا للملك فاروق حاكم مصر في الفترة من 1936 إلى 1952م، عندما طالبه قادة الجيش بالتنحي عن الحكم! فماذا كان موقفه؟ هل أصرّ على البقاء وقال: عليَّ وعلى أعدائي ومن بعدي الطوفان؟ وهل قتل وجرح وسجن شعبه؟ كلا كلا، كل هذا لم يحدث بالمرة، بل لبى مطلبهم وتنحى عن الحكم فورا.. وخرج محتفظا بكرامته وعزة نفسه ومحبة شعبه الذي احتشد لوداعه وهو يغادر مصر إلى روما..
وهذه صورة مشرّفة لتنحيه عن الحكم، وقد ذكره التاريخ على موقفه ، على عكس ما نراه هذه الأيام من بعض الحكام الذين يعتقدون أنهم قد ملكوا البلاد والعباد.. يا ليتهم يتنحون عن الحكم بكرامتهم قبل أن تقع الفأس بالرأس وتأتيهم رياح التغيير المدمرة (تسونامي) حينها لا ينفع الندم، وصدق من قال: (السعيد من اتعظ بغيره).
(*) كاتب كويتي
|
|