اجتثاث الفساد واعادة بناء روح المواطنة
|
احمد جويد
هيئة النزاهة وحدها لا تستطيع مواجهة هذا الكم الهائل من حالات الفساد المستشري في العراق، والذي اتخذ صوراً وأشكالاً شتى، وإذا عرفنا إن جميع دول العالم لا تخلو من الفساد (المالي والإداري)، لكن بنسب متفاوتة "بحسب تقارير منظمة الشفافية العالمية"، فكيف يكون الحال مع بلد مثل العراق مرت به ظروف مختلفة ساعدت على جعله أرضاً خصبة لانتشار وباء الفساد بمختلف أنواعه.
هيئة النزاهة وبكافة إمكانياتها وأذرعها، ربما تقف عاجزة عن مواجهة هذا الوباء بسبب فقدان المواطن العراقي لـ(روح المواطنة)، فالأنظمة الدكتاتورية التي حكمت العراق جعلت من هذا المواطن انتماء بالأوراق الرسمية فقط، لتجعله مفرغاً من مشاعر حب الوطن والحرص على ممتلكاته، فقد شاهدناه -الفرد العراقي- وفي بعض المناسبات يعبر عن حالة الغضب تجاه الحاكم بهجومه على ممتلكات الدولة، حتى لو كانت تلك الممتلكات هي (الطاولة) التي يجلس عليها أبناؤه في المدرسة أو (الجهاز) الذي يُعالج به في المستشفى.
الآن وقد أصبحت الحال مختلفة، وصار الحكم ديمقراطياً يتم تداوله بطريقة سلمية بوجود انتخابات حرة ونزيهة قياساً للمعايير الدولية، لازال أغلب الموطنين يشعرون بنفس الروحية التي كانوا عليها زمن الدكتاتورية، فما الذي يجعلهم لا يهتمون في الحرص على المال العام، والإبلاغ عن حالات الفساد التي تنخر جسد الدولة ومؤسساتها أو المساهمة في الحد من تلك الحالات مادام هو الذي انتخب الحاكم؟.المواطن العراقي بدأ بعد التغيير ينظر إلى العراق على انه ليس عراق البعث أو عراق (صدام) كما كان يطلق عليه في السابق، بل هو عراق كل العراقيين متطلعاً ومتفائلاً فيما سوف يؤول إليه مستقبل الدولة العراقية على المدى القريب، وأكثر الأشياء التي كان يتطلع لها هو الخلاص من جميع أذرع النظام السابق في دوائر الدولة لأنهم يمثلون رمزاً للفساد بجميع أنواعه. ما أثر على روحية المواطن هو أن حركة التغيير في العراق لم تكن بالمستوى الذي كان يتطلع له الإنسان العراقي، بل جاءت على عكس تطلعاته، إذ تم إدخال عدد غير قليل من الأشخاص السيئين والفاسدين المرتبطين ممن كانوا مرتبطين في إدارة الدولة زمن النظام السابق أو ممن ارتبطوا بالأحزاب الحالية عن طريق المحسوبية والمنسوبية والانتماءات الحزبية، حيث تربع هؤلاء على عروش دوائر الدولة ومؤسساتها، وصار همهم الأول هو كيفية الإثراء على حساب المال العام مستغلين مواقعهم الوظيفية ونفوذهم السلطوي في وقت شَهِدَ:
أولاً: غياب الرقابة والمتابعة والمحاسبة. ثانياً: شل يد القضاء.ثالثاً: وجود شماعة الارهاب.
هذه العوامل الثلاثة أوجدت: اولا: حالة كبيرة من تفشي الفساد.ثانيا: خيبة أمل لدى المواطن. ثالثا: قتل الاحساس بالوطن أو (روح المواطنة) بشعوره إن هذا البلد هو ليس بلده بل هو بلد السياسيين ورجال السلطة ومن يرتبط بهم.
إذن، كيف يمكن أن نعيد الثقة لهذه الروح المفقودة لدى الإنسان العراقي ليكون عنصراً فاعلاً في الحرص على الوطن والمال العام مثلما يحرص على أمواله الخاصة ويحميها من السراق والعابثين، ويسهم بالإخبار عن أي حالة فساد بتقديم المعلومة إلى هيئة النزاهة لتأخذ دورها في متابعة المفسدين عبر وسائلها المختلفة ومن ثم تقديمهم إلى العدالة؟. يمكن أن يتحقق هذا المطلب من خلال:
أولاً: تقوية صلات المواطن بالوطن: إذ يجب أن يشعر المواطن بأن هذا البلد وهذا المال هو ملكه وملك أبنائه وأحفاده وليس ملكاً لرجال السلطة، لأن السلطويين يذهبون والوطن يبقى من حصة المواطن، وهذا الأمر مرهون برفع مستوى الوعي لدى جميع أفراد المجتمع عن طريق برامج مستمرة تشترك فيها منظمات المجتمع المدني والإعلام الحر الواعي ورفع مستوى الوعي القانوني لدى المواطن وبالخصوص موظفي الدولة، والاهم من ذلك العمل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
ثانياً: إعادة الثقة بأجهزة الدولة التي تأخذ على عاتقها متابعة المفسدين: فالخوف يتسرب إلى نفس الموظف أو حتى المواطن العادي بالكشف عن اسمه في حال قيامه بتقديم المعلومة للجهات المختصة أو عدم اتخاذ إجراء مناسب بناءً على المعلومة التي أوصلها إليهم والتحقق منها من قبل الجهات المختصة.
ثالثاً: النموذج: على القائمين في هذه المهمة –أي الجهات الرقابية والقضائية وحتى السياسية- تقديم النموذج الجيد لمواطن صالح مكلف بخدمة عامة، فعليه أن يبدأ بنفسه قبل غيره في الحرص على المال العام ويطبق القانون على الجميع دون استثناء.
رابعاً: كشف أسماء المفسدين: يجب على الجهات المعنية كشف أسماء جميع من تثبت إدانتهم بالتورط في الفساد أو كل من له صلة بالمساعدة على هدر واستباحة المال العام مهما تكن الجهة التي ينتمي إليها، كي يتم معاقبة هؤلاء المفسدين أيضاً بعزلهم عن المجتمع.
خامساً: الملاحقات القانونية: من الواجب على الجهات المسؤولة عن ملفات الفساد الاستمرار بملاحقة من أثروا على حساب المال العام سواء كانوا أصحاب مناصب عليا أو غيرهم من موظفي الخدمة العامة أو شركات أو مقاولين....الخ، وعدم تركهم واسقاط التهم عنهم بالتقادم، حتى يشعر المواطن العراقي أنه في دولة تحترم القانون وتتابع المفسدين وإنها حريصة على استرداد المال العام ومعاقبة المدانين.
إذا استطعنا أن نعمل وفق المفاهيم أعلاه سوف يكون هناك ثمة شعور من قبل المواطن بالرغبة في المساهمة الفاعلة والكبيرة في الحرص على المال العام بالدرجة الأولى وبالمساهمة في الكشف عن المفسدين بتقديمة المعلومة الى الجهات المعنية، وكل ذلك يتوقف على الجهد المركز والنية الصادقة.
|
|