ماقبل وبعد .. فوات الأوان!
|
محمد الرحال
لأول مرة في تاريخ الوطن العربي الحديث يصبح الشارع هو من يقود الاحزاب والنخب السياسية والثقافية في مظاهرات سلمية أقل ما يمكن أن نقول عنها إنها راقية وحضارية وسلمية، حيث عكست الصورة الموروثة عن العرب بأن من يقوم بالثورات نيابة عن الأمة هم العسكر أو الأحزاب. وأثبتت هذه المظاهرات السلمية أن الشعوب العربية مثقفة وواعية رغم الاضطهاد الذي مورس عليها من قبل أنظمتها مدة طويلة، ولأول مرة نرى مجاميع المتظاهرين بمختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية هم من يحافظ على الممتلكات العامة ويديرون العمل الوطني بكل اقتدار ورقي عبر تشكيل لجان اذهلت العالم بأسره، بينما نرى في الطرف الآخر مؤيدي السلطة وإعلامها بغاية الهمجية والتخلف والسخافة.
المظاهرات التي جابت شوارع مصر و وتونس ، ومن ثم البحرين واليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية لم تكن لتحصل لو أن هناك ديموقراطيات حقيقية في الوطن العربي واحترام للحريات وحقوق الإنسان ولم تكن لتحصل لو أن الأنظمة العربية تفهمت مطالب وحقوق شعوبها، فالمتظاهرون ليسوا بانقلابيين ولا طلابا للسلطة بقدر ما فاض بهم تعامل حكوماتهم معهم باستخفاف وعدم مبالاة، فيما يطالبون به من حقوق مشروعة اعترفت بها السلطات بعد فوات الأوان، وبعد أن فقدت الأنظمة ثقة الشعوب بها الامر الذي جعل المتظاهرون يطالبون بالسقف الاعلى وهو تغيير الانظمة ليضمنوا سلامتهم وسلامة مطالبهم ولتكون رسالة واضحة لمن يأتي لسدة الحكم فيما بعد.
باعتقادي ان الدول التي لم تشهد مظاهرات او لاتزال مظاهراتها في طور البداية، عليها ان تبادر باستعادة ثقة الشعب بها وتقوم بترميم علاقتها بشعبها من خلال البدء بعمل اصلاحات سياسية جذرية من شأنها ان تمنح شعبها كل حقوقه دون الاعتماد على مؤيدي السلطة وزبانيتها، ووسائل اعلام فاسدة، فالعقول الفاسدة لم تعد تؤثر الا على من تحيط به، وعالمنا اليوم لم يعد عالم الأمس.
|
|