قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الواقعية بدل الشعارات والاحلام
سالم مشكور
أثناء زيارة لصديق قديم يتبوأ الآن منصبا رفيعا، جاءه اتصال هاتفي من مسؤول أعلى، فهمت مما دار بينهما انه تم إختيار "فلان" لادارة مؤسسة كبيرة الاهمية والتاثير. سألته مستغربا: كيف تم إختياره وهو لا يملك من المؤهلات لهذا الموقع شيئا يذكر؟ أجاب : انه أضعف المرشحين لهذا الموقع ولذلك فانه لم يواجه أي إعتراض من الكتل والمجموعات بل توافق عليه الجميع. وهكذا باشر "فلان" عمله وسارت معه تلك المؤسسة الى مزيد من التفكك والضعف .
اللافت ان هذه ليست حالة فريدة او نادرة في الوضع السياسي الحالي في البلاد بل تكاد تكون القاعدة السائدة، ونتيجتها في الغالب تبوّء غير المؤهلين مواقع لا يستطيعون أداء مسؤولياتهم حيالها والنتيجة معروفة. البعض يبرر القبول بالضعيف بان عدمه يعني بقاء الموقع فارغا ربما لسنوات وتبقى أموره تسيّر بـ"الوكالة" الى أجل غير مسمى.
هل بات الضعف وقلّة الكفاءة إحدى نتائج "التوافق" الذي بات قدرا غير محمود للعراقيين ؟
هذه الظاهرة تعمّق هواجسنا ونحن نتابع التجاذب حول تشكيل الحكومة وباقي المواقع الدستورية المرتبطة بهذا التشكيل (بحكم التوافق). النقاش الان حول الرئاسات الثلاث، وغداً يصل الى التشكيلة الوزارية ثم الى باقي المواقع الشاغرة او التي تدار بالوكالة او التكليف منذ سنوات. ولو اعتمدنا الاسلوب ذاته في إختيار الاشخاص لتجنّب الاعتراضات والتأخير فاننا نكون أمام حكومة ضعيفة غير كفوءة بدءً من أعلى مواقعها نزولا الى الادنى منها. فهل نأمل بعد هذا في تغيير الوضع الى الاحسن بعدما وعدت الكتل كلها، الناخبين بالتغيير .
الحديث يدور اليوم في الكواليس عن قرب ترشيح رئيس للوزراء، ومن يتابع بدقة بوصلة التحركات الاقليمية والدولية فضلا عن الداخلية، يمكنه تحديد هوية رئيس الحكومة القادم، والتوافق على هذا الرئيس سيكون في أحسن الاحوال "إظطراريا" بالنسبة للبعض، وسينعكس المرحلة الثانية تجاذبا حول الحصص الوزارية ليس بين الكتل فحسب بل داخلها ايضا، مما يجعل " التوافق " أمرا عسيرا، وإذا ما تم فيقدم لنا ،في الغالب، حكومة ومسؤولين غير كفوئين ،أو على الاقل، مشلولين مقيّدين في عملهم ...
لكي نكون واقعيين ،فان البلاد في وضعها السياسي الحالي، لا تستطيع الخروج من هذه القيود والعاهات السياسية، وإذا كانت السياسة هي فنّ الممكن فان المطلوب الان البحث في كيفية تحسين الوضع من داخل هذه المعادلات. كيف يمكننا ،من داخل المحاصصة، ان نختار الافضل ؟ وكيف نتصرف، في إطار التوافق، لنصل الى "توافق حقيقي" لا يقوم على تبادل الاعاقة في العمل، بل التعاون لخدمة البلاد التي تعود بالنفع على كل العباد مهما تنوعت اتجاهاتهم المذهبية والدينية والقومية والسياسية ؟
هل يسعى سياسيونا الى هذا؟