السياسي العراقي بين الاحساس بالازمة وفهمها ؟
|
مهند حبيب السماوي
الازمة المستعصية التي تعيشها السياسة العراقية بعد مضي خمسة اشهر على اجراء انتخاباته العامة اماطت اللثام على جملة من الصفات التي ترتبط بالخطوط العامة لعقلية السياسي العراقي وكيف يفكر في الازمات التي تمر به، وهو بلا شك طرف اساسي فيها بل هو محورها الرئيس وعمودها الفقري ومن تُعلق على حبائله كل النتائج السلبية التي يمكن ان تتفجر في وجه الشعب العراقي نتيجة عدم ايجاد حل للمعضلة الحالية .هذه الصفات التي تُشكل عقلية السياسي العراقي يمكن ان تكوّن في مجملها سمات بارزة وجلّية للسياسة العراقية في الوقت الراهن بعد حصول التغيير عام 2003، وهو تغيير أتسم كما يراها المراقبون بالجذرية، اذ شمل مختلف مرافق الدولة العراقية بسياساتها واقتصادها وبنيتها التحتية وليس هو مجرد تغيير في رأس النظام الحاكم .كما ان هذه الازمة تكشف في الان نفسه مايفتقر اليه السياسي العراقي ومايحتاج اليه في خضم الازمات السياسية العاصفة التي تمر بالبلد وكيف انه مازال لحد الان في مرحلة ليست ناضجة من الادراك الحقيقي لواقع الديمقراطية وشروطها وتطبيقاتها بعد تجربة جديدة من الابحار في الديمقراطية، وذلك من خلال اجراء اكثر من انتخابات ديمقراطية في البلد وعلى مستويات عامة ومحلية.
وفي مقابل هذا الحديث حول ضعف النضج الديمقراطي للسياسي العراقي من قبل بعض المراقبين والمحللين السياسيين، ارى اننا لو فرضنا ان هذا الوعي الديمقراطي السياسي في العراق كان على مرحلة عالية من النضج، فان الفهم الحقيقي للديمقراطية لايكفي لحل المشكلة والازمة التي يقف العراق على عتبتها منذ خمسة اشهر .اذ ان الكثير من سياسيّي العراق الجديد لايفتقرون للفهم الحقيقي للديمقراطية، فالكثير منهم عاش في الغرب وعرف من خلال الممارسة على ارض الواقع كيف تكون الديمقراطية وكيف تتشكل بنيتها وتصطبغ الدولة بمؤسساتها ويرتسم المجتمع بنكهتها ومنهجيتها الشفافة وبرغم ذلك فانهم عندما عادوا للعراق لم نجد منهم الحس الديمقراطي الذي كنّا نتوقعه او نأمله وهم يمارسون العمل السياسي.
وبعيدا عن الاسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، أجد أن فهم الديمقراطية من قبل السياسي العراقي لايكفي للخروج من هذه الازمة، بل ينبغي وجود بديل أخر عن الفهم هو الشعور الذي يجب ان يتملكه هذا السياسي، اذ ان هذا الشعور والحس العالي بالمسؤولية وبجسامة تداعيات الموقف الحالي وحساسية المنعطف الخطير التي يمر بها تاريخ العراق السياسي المعاصر هو الكفيل بحل الازمة واعطاء الحلول الناجعة لهذ البلد الذي يحاول رسم خريطة جديدة لمستقبل دولته التي يغوص تاريخها في عمق التاريخ وتعاني في حاضرها من تحديات ومشكلات كبيرة تواجه بناء مستقبلها المجهول.طبعا هذا الاحساس والشعور بالمسؤولية التي نرى ضرورة تواجدهما لدى السياسي العراقي لاينفك عن العمل وترجمة هذا الشعور الى سلوك وعمل حقيقي فعّال نستثمر من خلاله هذا الشعور الذي هو حالة سايكولوجية داخلية في الانسان الى واقع وسلوك خارجي، وبهذا يتحول شعور السياسي العراقي الى حركة ايجابية يتم من خلاله حل وفك شفرة الازمة الحالية .
الشعور بالمسؤولية تجاه المواطن وبحاجاته المختلفة وبقدسية دمه التي يريقها الارهابيون .. هو اهم من فهم الديمقراطية والياتها والحديث عنها في المؤتمرات وأمام وسائل الاعلام المتنوعة، وهو الامر الذي يفتقر اليه العديد من المشاركين في العملية السياسية والا لتشكلت الحكومة منذ عدة اشهر ولبدأت رحلة الاعمار والبناء .
العلاقة بين الاحساس بالازمة من جهة وفهمها من جهة ثانية ليست بالضرورة متداخلة ومترابطة ويؤدي كل منها نحو الاخر، لانه قد يفهم السياسي الازمة ولايشعر بها وبتداعياتها على الاخرين، كما قد يشعر السياسي بحيثيات الازمة و" انينها " من غير ان يفهم الاطر النظرية والاسس الفكرية المختلفة للديمقراطية والتداول السليمي للسلطة وكل المفاهيم المتربطة بها. ولذا فالشعب العراقي المكلوم بجراحه لاينتظر من سياسيّه التنظير عن الديمقراطية واهميتها وتشكيلاتها وتاريخها، بل ينتظر ويترقب منهم ان يكون لهم شعور بمعاناتهم الطويلة واحساس بجراحاتهم الكبيرة حتى يتسنى لهم العمل الفوري من غير تردد من اجل التسامي فوق المصالح الضيقة والشخصية والحزبية المتبلّورة في سلوكهم والتي تتناقض مع شعاراتهم واقوالهم وخطاباتهم التي اصبحت رثة وبالية ومملة باميتاز
|
|