الشيعة واختبار الايمان عند جواد الأئمة (عليه السلام)
|
*شاكر عبد الحسين
مرّ على عمر الإمام الرضا عليه السلام أكثر من أربعين سنة لكنه لم يُرزق بولد، فيما كان الشيعة بانتظار اللحظة البهيجة ليكحلوا أنظارهم بمحيا الولد الكريم من نسل آل محمد صلى الله عليه وآله، فهم المؤمنون بان الأئمة من بعد النبي الأكرم اثني عشر اماماً سمّاهم جدهم المصطفى واحداً واحداً، ينتظرون رؤية الامام التاسع بفارغ الصبر، وقطعاً لم يكن حال الإمام الثامن – الرضا- عليه السلام باقل من اصحابه في هذا الانتظار، ولكن صبر الامام ورباطة جأشه بالحقيقة درس لنا جميعاً، فقد يُسلّي اصحابه ويقول لهم: (إن الله سوف يرزقني ولداً يكون الوارث والإمام من بعدي). وأخيراً ولد الإمام محمد الجواد في العاشر من شهر رجب الأصب سنة 195 للهجرة، وقد سُمّي بمحمد وكنيته أبوجعفر. وهو الامام الثاني في كوكبة الهدى يحمل اسم النبي الأكرم.
وبذلك خرج الشيعة من هذا الامتحان بنجاح بعد ان عمّهم الفرح والسرور، لكن لم يكن هذا الامتحان الاخير لهم، وهذه هي الحكمة الالهية للمؤمنين بان يكونوا مبتلون على طول الخط في ايمانهم وعقيدتهم حتى يبين الغثّ من السمين، فقد صعق العالم الاسلامي بنأ استشهاد الامام الرضا عليه السلام في غربته بخراسان وعلى يد المأمون، فيما كان الامام الجواد عليه السلام في سن السادسة من العمر. و مرة اخرى "ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً".
وجاء في التاريخ ان الشيعة والمقربين من اهل البيت عليهم السلام دخلتهم الحيرة فممن يأخذون مسائلهم وفتاواهم ؟ ومن يكون الامام بعد علي بن موسى الرضا عليه السلام، رغم انهم كانوا يشاهدون الامام الجواد عليه في دار ابيه في المدينة لكن مستوى ايمان الاغلبية لم يكن بالمستوى الذي يقطع لهم الشك باليقين بان امامة الامام إنما هي من المهد، كما جعل الله تعالى رسالته على لسان نبيه عيسى وهو في المهد.
ومن القصص التي تروى في أحقية إمامة الجواد عليه السلام ما جاء على لسان القاسم بن عبد الرحمن – وكان زيديّاً – : خرجت إلى بغداد، فَبَيْنَا أنا بها إذ رأيت الناس يسرعون في المشي، ويتطلَّعون إلى رجل ويقفون. فقلت من هذا ؟ فقالوا: الإمام الجواد عليه السلام. فقلت : والله لأنظرنَّ إليه، فطلع على بغلة، فقلت: لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون: هل افترض الله طاعة هذا؟! فَعَدِلَ الإمامُ عليه السلام إليَّ فقال: يا قاسم ، "أبشراً منَّا واحداً نتبعه إنَّا إذن لَفِي ضلالٍ وسُعُر". فقلت – في نفسي – ساحر والله !! فقال عليه السلام : "أَأُلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذَّاب أَشِر". قال: فانصرفت وقلت بالإمامة ، وشهدت إنَّه حجة الله على خلقه، واعتقدت .
ان الحديث يطول حول سيرة حياة الامام الجواد عليه السلام بالرغم مما يقال عن الفترة القصيرة التي عاشها الامام، فقد تميزت فترة حياته بكثرة الاصحاب والرجال وجاء بان عددهم بلغ 250 عالماً ومحدثاً. لكن آثرنا الحديث عن السلوك الاجتماعي للامام عليه السلام علّه يكون لنا قدوة ونموذج نحتذي به في حياتنا اليوم حيث تحتوشنا العقد والازمات في علاقاتنا الاسرية والاجتماعية. فقد كان الامام عليه السلام يتفاعل بشدة مع المحن والمصائب التي تلمّ بالناس مهما كانت ويواسيهم ويخفف عنهم.
جاء ان احد المؤمنين جرت عليه مظلمة من قِبل احد الولاة ، فكتب إلى الإمام الجواد عليه السلام يخبره بما جرى عليه ، فتألم الإمام عليه السلام وأجابه بهذه الرسالة : (عَجّل الله نُصرتك على من ظلمك ، وكفاك مؤنته ، وأبشِرْ بنصر الله عاجلاً إن شاء الله ، وبالآخرة آجلاً ، وأكثِر من حمد الله). ومن مواساته عليه السلام للناس تعازيه للمنكوبين والمفجوعين ، فقد بعث عليه السلام رسالة إلى رجل قد فجع بفقد ولده ، وجاء فيها بعد البسملة : (ذكَرتُ مصيبتَك بعليٍّ ابنك، وذكرت أنه كان أحب ولدك إليك، وكذلك الله عزّ وجلّ، إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند أهله، ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة. فأعظم الله أجرك ، وأحسن عزاك ، وربط على قلبك ، إنه قدير ، وعَجّل الله عليك بالخلف ، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله). وأعرَبَت هذه الرسالة الرقيقة عن مدى تعاطف الإمام عليه السلام مع الناس ، ومواساته لهم في السَرّاء والضَرّاء.
هذا السلوك والمنهج الرسالي والمحمدي يفسر لنا اجتماع الأمة في تلك الفترة على الأئمة الاطهار عليهم السلام في نقل الحديث وحل المعضلات الشرعية والعلمية والاجتماعية، فهم لا يجدون حلاً لمشاكلهم وتنفسياً لهمومهم عند الحاكم والسلطان الذي لايفهم سوى لغة الطاعة والقوة والمديح، إنما يأتون الى دور الأئمة المعصومين ليحصلوا على مايريدونه من العلوم والمعارف الالهية التي تنتشلهم من واقعهم السيئ الى واحة السعادة.
1
|
|