الدعاء في القرآن الكريم
"لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا..."
|
*صادق الحسيني
خلق الله تعالى الانسان حين خلقه اجتماعياً بطبعه، فلا يمكنه أن يعيش حياة هانئة رغيدة الّا مع وجود مثيله في الخلق معه، و اذ لا يكون تمام السعادة في مجتمع تطغى عليه المادية حيث يُباع المرء فيها ويشترى بثمن بخس، فانها تكون في مجتمع ملؤه الايمان و يسود افراده التقوى والاخلاق، يحبون بعضهم في الله و يبغضونهم فيه، انه المجتمع الايماني الذي رسم لنا الاسلام ملامحه وبيّن لنا صفاته، فهناك لا فرق بين زنجي أو ابيض او فقير أو غني، او طويل او قصير انما المعيار في ذلك المجتمع هو التقوى، و هكذا تربط بين الناس علاقة ايمانية تبعد الكافر وان كان أخاً و تقريب المؤمن البعيد و ان كان مغايراً له في الوصف و البلد و اللون...
ومن الصفات التي نجدها في هذا المجتمع فيما يرتبط بعلاقة الناس ببعضهم هي انهم يدعون لبعضهم البعض يقول ربنا تعالى: "والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالأيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنو ربنا انك رؤوف رحيم"
فالمؤمن الذي يحب لاخيه ما يحب لنفسه يدعو له ايضاً كما يدعو لنفسه، فهما روح واحدة منشطرة في جسمين مختلفين، فهو لا يقتصر على الدعاء لنفسه و انما يوسع دائرة الدعاء لاخوانه ايضاً و قد جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: (أسرع الدعاء نجاحاً للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به: آمّين و لك مثلاه). و هكذا يستحب أن يدعو الانسان لاربعين شخصاً في نافلة الليل لتذويب الحواجز المصطنعة و هدم الفوارق الكاذبة بينه وبين اخوانه.
و مهما اختلفت المسافة الزمنية و المكانيةْ أو اختلفت الطبقات، الا ان المؤمنين يدعون لبعضهم البعض، و لا يفرق بينهم شيء، فالمؤمن لا ينظر إلى نفسه كفرد، انما كجزء من امة بكاملها، بتاريخها و حاضرها و مستقبلها فيدعو لنفسه و لها على السواء، و يسعى لتحقيق أهدافه واهداف الامة برمتها، كما يساهم في تحقيق أهداف إخوانه، و يسعى نحو تطهير نفسه من رواسب الحقد و الحسد و الكبر تجاه إخوته في الدين فيقول : "وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا"... من حقد كامن أو حسد أو أيّ أمر يدفع الإنسان إلى معادات إخوانه، و هذا من أهم الطموحات التي يسعى المؤمنون نحوها متوكلين على اللّه، لأن الخروج من شح النفس الفردية، و التخلص من الأغلال تجاه الآخرين من الأمور الصعبة التي تحتاج الى توفيق إلهي و ارادة قويّة، و لأن ذلك عنوان بلوغ الإنسان درجة رفيعة من الإيمان. جاء في الحديث الشريف: (آخر ما يخرج من قلوب الصديقين الحسد) و المؤمنون يدركون ذلك و يعلمون أن بلوغهم درجة التخلص من الأغلال تجاه إخوانهم دليل رأفة اللّه و رحمته بهم، و لذلك يثنون عليه في دعائهم فيقولون: "رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ". وهذان الاسمان للّه يتجليان في سلوك المؤمنين عبر تعاملهم مع بعضهم، و هم يسألون ربهم المزيد من التوفيق للتخلق بهما، وأن يرأف بهم بنزع الأغلال من قلوبهم تجاه بعضهم، و يرحمهم بالغفران.
تلك كانت صورة المؤمنين في توادهم و تراحمهم ودعاءهم، ولا شكّ بأن دعاء المؤمن لاخيه يستنزل الرحمة الالهية من الرب تعالى للداعي قبل المدعو له. فأنت لو مرضت ادعو لشفاء اخوانك المؤمنين اولاً و هكذا لو افتقرت او حلت بك مصيبة او طالك مكروه و هكذا نقرأ في خاتمة دعاء السمات: (اَللّـهُمَّ بِحَقِّ هذَا الدُّعآءِ تَفَضَّلْ عَلى فُقَرآءِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالْغِنى وَالثَّرْوَةِ، وَعَلى مَرْضَى الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالشِّفآءِ وَالصِّحَةِ، وَعَلى اَحْيآءِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِاللُّطْفِ وَالْكَرامَةِ...) الى آخر الدعاء . لندعو لكل صنف من المؤمنين عسى ربنا أن ينزل عليهم رحمته إنه رؤوف رحيم .
|
|