التذكرة.. خطوة نحو الكمال الايماني
|
* السيد سجّاد المدرسي
(التذكرة) أو (التذكير)، تُعد من أهم الخطوات نحو تزكية النفس، بل الدافع نحو سائر الخطى العملية نحو تكامل الشخصية الايمانية، ولعل المتتبع للآيات القرآنية يجد تكرار هذه الالفاظ ومشتاقتها في السياقات المختلفة في القرآن الكريم، ومع مرور سريع على الآيات القرآنية نجد ان الهدف الاساس من القرآن الكريم هو التذكرة، جاء في قوله تعالى: "ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلاً" (المزمل /19)، وكذا قوله تعالى: "كلا انها تذكرة".
وكما انه من اهداف الرسالة التي جاء من اجلها القرآن الكريم، فانه ايضاً من الاهداف الرئيسة من بعثة الانبياء والرسال، كما نجد ذلك في قوله تعالى : "انما انت مذكر* لست عليهم بمسيطر"، وقوله تعالى: "فذكر بالقرآن من يخاف وعيد"، فلا تعدوا مسوؤلية الانبياء ان يذكروا الناس ويرجعوهم الى فطرتهم التي فطرهم الله عليها كي يلقوا عليهم الحجة البالغة، فقد قال امير المؤمنين عليه السلام في الهدف من بعثة الانبياء: (ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته).
التذكرة في القرآن:
وكثيرة هي الآيات التي وردت في التذكرة، والامر بالتذكّر عبر السير في الارض والمرور بآيات الماضين والتفكر في سيرتهم ومصيرهم في الحياة... كيف عاشوا وكيف ماتوا؟ فقد شيد الانسان الحضارات التي سادت لكن لم تلبث ان بادت، فما السبب في نشأتها وما سبب اندثارها؟ .
يقول تعالى عن هذه المعادلة : "قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين"، بل ان الله يوبخ الذين يتركون النظر في الماضين ولا يعتبرون بتاريخهم: "افلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الاخرة خير للذين اتقوا افلا يعقلون".
إذن؛ الهدف هو ايصال الانسان الى مستوى يتلافى فيه حالة نسيانه او تناسيه للحقائق في ظل الظروف غير الطبيعية وتحت وطأة الشهوات والعصبيات، ولكيلا يسترسل في الحياة الدنيا لتقوده منعطفاتها الى مهاوي ومنزلقات خطيرة.
ومن جهة اخرى نجد الايات تترى في التأكيد على التذكر وتوبيخ الذين يتناسون الحقائق. وعادةً ما تأتي كلمة التذكرة بعد بيان حقيقة هامة، لينتبه الانسان ويعود الى نفسه ويصلح ما فسد منها عبر تلافي ما سبق، يقول تعالى : "افمن يخلق كمن لا يخلق افلا تذكرون"، ليعيد الانسان الى فطرته كي يتأمل ولو قليلاً ان من لا يخلق وهو الصنم الذي لا روح له، وكذا الانسان الذي لا حول له على نفسه، كيف يمكن ان يقاس بالخالق القادر القاهر، و كيف يمكن ان يكون الهاً يعبد من دون الله؟
بامكان المرء ان يجلي بالتذكرة كل غمامات الشك والجحود من على قلبه، لان العقل لا يحتاج الا الى اثارة كي يعمل بشكل ممتاز ليكتشف الحقائق، ومثله كمثل الجمرة الحامية التي تراكم عليها غبار الرماد فتحولت باردة من دون حرارة تذكر، لكن حينما نكشف الرماد من على الجمرة تعود للاتقاد بشكل ممتاز، يقول امير المؤمنين عليه السلام ( ولثيروا لهم دفائن العقول). وكذلك نجد آيات قرآنية عديدة اخرى تؤكد على التذكرة، اليك بعض الايات :
قوله تعالى: "مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلاً أفلا تذكرون".
قوله عزّ من قائل: "ولقد علمتم النشأة الاولى افلا تذكرون".
كذا قوله عزّ وجل: "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".
في الايات السابقة وغيرها نجد ان الرب عزّو جل يبين الحقائق الهامة التي يغفل عنها كثير من الناس بسبب تراكم الامراض السلبية على قلوبهم، وذلك من خلال التذكّر والتذكير، فهم لا يحتاجون الا الى ان ينفضوا هذه السلبيات من على قلوبهم.
فائدة التذكرة
السؤال هنا؛ ما هي الفائدة من التذكّر في تزكية النفس؟
الجواب يكمن في ان نفس الانسان تواقة الى الابتعاد عن الله تبارك وتعالى بشتى التبريرات، وعملية التذكّر تغلق كل ابواب التبرير وبالتالي كل ابواب الانحراف في النفس ان كانت التذكرة في الوقت والكيفية المناسبين.
فمن جهة ترى النفس تريد ان تكفر بأنعم الله والتنكّر له تعالى، لكن من خلال التذكرة بالمخلوقات ترجع الى بارئها وبتذكير نعمه عزوجل يشكر المرء ربه ويتقرب اليه ، يقول تعالى : "يا ايها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو فأنى تؤفكون" و قوله : "يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمت الله عليكم"، و غيرهما من آيات يتجاوز عددها العشرة في هذا المجال.
ومن جهة اخرى تتناسى النفس الآخرة فتغوص في مستنقع الانحراف، واحياناً اخرى ينسى الانسان ما للعمل الصالح من ثواب عظيم، فيكسل عن السعي في الطاعات والاعمال الصالحة، فذكر الجنة ونعيمها ينجيه من هذه المشكلة.
وبكلمة فان القرآن الكريم يرى ان التذكرة تكون من الخطوات الهامة في سبيل تزكية النفس، يقول تعالى: "وما يدريك لعله يزكى * او يذّكّر فتنفعه الذكرى".
|
|