قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
بيان سماحة المرجع المدرسي (دام ظله) بمناسبة حلول شهر محرم الحرام عام 1432 هـ
العالم بانتظار سفينة النجاة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و اله الطاهرين.
لماذا ينتظر العالم سفينة النجاة المتمثلة بالامام الحسين عليه السلام؟. ولم لا؟.
أوليس ذلك مكتوبا على ساق العرش حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الامام الحسين عليه السلام، انه: (مكتوب على ساق العرش إنه مصباح هدى وسفينة نجاة)، وماذا يعني (مصباح هدى)؟، أليس يعني أنه ينير الدرب و يهدي به الله عباده إلى سبل السلام ثم ماذا تعني ( وسفينة النجاة)؟، أوليس أنه عليه السلام يلهم الناس و بسيرته الحافلة بالتضحية والفداء روح العزم و قوة الإرادة التي بها يتغلب الانسان على الصعاب و يقتحم غمار التحدي ضد المشاكل الكبرى وهذه هي النجاة.. أوليست بصائره عليه السلام تهدينا الى سبل السلام، و قوة العزم تنشطنا لتنفيذ تلك البصائر؟. بلى، و في عاشوراء الامام الحسين عليه السلام كِلا الأمرين، فهو إمام هدى مَثَّلَ القران الكريم في كلماته وفي سيرته وهو سبط الرسالة الذي قال فيه جده رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم: (حسين منى و أنا من حسين)، بلى انه القرآن الناطق.وهو -إلى ذلك- صاحب أكبر ملحمة نهوض رباني انساني عبر التاريخ و أعظم فداء من أجل الحق والعدل والاصلاح، مما الهم الأجيال حماسة لا تنتهي وعزماً عظيماً لا يزداد عبر الزمان إلا شدة و عنفوانا.
العالم في زوبعة الأزمات
الرعب النووي والإرهاب والمخدرات والأزمات الإقتصادية.. ذلك عنوان الزوبعة التي تحاصر العالم اليوم، فهل من نجاة إلاّ في سفينة أبي عبدالله الحسين عليه السلام؟
* آلاف القنابل النووية شديدة التدمير تخيم على أفق الأرض بسحابة من الرعب..
ولكن لماذا فشلت كل المحاولات في التخلص منها بالرغم من معرفة الجميع بأنها لاتجدي نفعاً وأنها اليوم تهدد الأرض بكارثة كبرى؟ بصراحة.. لأنهم عاجزون عن إحتوائها.. بسبب فقدهم للإرادة الكافية وبسبب إنعدام الثقة فيما بينهم. والسؤال إلى متى يعيش العالم في هذه الحلقة المفرغة؟ والأنكى من كل ذلك أنهم لا يزالون في تسابق خطير لتطوير هذه الأسلحة والتي تستهلك ما لا تحصى من ميزانيات الدول، بلى، وحدها العودة إلى الله سبحانه و إلى أولياءه كفيلة بإعطائهم البصيرة والعزم لتجاوز هذه المحنة والخروج من هذه الحلقة المفرغة.
* أما الإرهاب و المخدرات و الجريمة المنظمة فإنها محاور الشر المستطير والتي تهدد إستقرار البشرية و أمن الشعوب فهل يستطيع العالم التخص منها؟ كلا.. كل الإحصاءات الدولية تشير إلى مضاعفة هذا الشر كل بضعة أعوام، لماذا؟ أوليسوا قد جندوا إمكانات هائلة لمواجهتها؟ بلى.. ولكن أقول تنقصهم البصيرة الكافية والعزم الشديد وإنما يستطيع العالم النجاة من كل ذلك إذا إستضاء بمصباح الهدى للسبط الشهيد و إستمد روح التضحية منه، لماذا؟ لأن العبور من الأزمات الحادة ليس سهلاً و ليس ممكناً من دون عزيمة تتجاوز المادة إلى الروح و الدنيا إلى الآخرة وتتجاوز بالتالي الخوف من الموت إلى استقباله برحابة صدر. بلى.. بمثل هذه العزيمة التى قال بها الإمام الحسين عليه السلام: (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلاّبرما).. يستطيع العالم بهذه العزيمة النجاة من ذلك الشر المستطير.
على شفا الإنهيار..
أما الاقتصاد الدولي فانه على شفا الإنهيار، ليس فقط لأن الإستهلاك أكثر من الإنتاج وإنما أيضاً لأن الكبار قد تعلموا على العيش على مائدة الصغار، فأفلسوهم.. فلم يعد لديهم المزيد فعلى ماذا يعيشون؟.. إن مشكلة الديون التي تعاني منها أغلب الدول الكبرى ليست طارئة ولا قابلة للحل ببساطة، والسبب أن الجميع يريد حلاً لمصلحته وعلى حساب الآخرين مما جعل العالم في دوامة من أزمة ثقة حادة، ولا أحد يملك رؤية واضحة ولا عزم شديد تجاه حل هذه الأزمة. وإنما بالتمسك باهداب الشريعة الغراء وبنهج الإمام الحسين عليه السلام ذلك المصباح المضيء، سوف يكتشفون الحل.. وبروح التضحية والفداء التي يستمدونها من ملحمة كربلاء ومن ظلامة الامام الحسين عليه السلام سوف يتغلبون على المشاكل بإذن الله تعالى.
المسلون الأمة الشهيدة والشاهدة
وعلى المسلمين ـ بصفتهم الأمة الشهيدة والشاهدة على العصر والتى يقول عنها الرب سبحانه: [وَكَذَ?لِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] ـ عليهم أن يتحملوا المسئولية في إنقاذ البشرية. إنهم اليوم مسؤولون لكي يقوموا بدورهم الحضاري العظيم في الأرض وذلك بعد أن يتخلصوا من التخلف والتمزق ويبنوا كيانهم المستقل، ثم ينطلقوا في الأرض لإنقاذ أهلها من الأزمات الكارثية، ولكن كيف؟,
بصائر الوحي و حماسة السيرة
1ـ في بصائر الوحي هدى وضياء وخريطة طريق كذلك لو أننا قرأنا القرآن كما انزل وفسرناه بأحاديث النبي وأهل بيته عليه وعليهم السلام ومن ثم إستضئنا به لمعرفة واقعنا، بتعبير آخر لو حولنا الوحي إلى حزمة نور نسلطها على خبايا عصرنا الراهن لعرفنا كيف نسير وفي أي إتجاه نتحرك. إن مشكلتنا تتمثل في أننا نقرأ القرآن و كأنه نزل لغيرنا، كلا.. إن مثل الوحي كمثل الشمس تشرق كل يوم على أهل ذلك اليوم، وهكذا فإن كل آية وكل حديث له تأويل وتطبيق على واقعنا، كلمة بكلمة.. وحرفاً بحرف.. وإنما علينا التدبر في القرآن و الدراية للحديث لنستضيء بهما ونهتدي إلى الحلول الناجعة لمشاكل العصر.
2ـ والسيرة بما فيها من إضاءات وبما فيها من ظلامات و بما فيها من حماسات نادرة، إنها تزود أمتنا بالمزيد من العزم والهمة ومن الإستقامة والصبر ومن الحيوية والإجتهاد ولكن شريطة أن نقرأها قراءة توصل التاريخ بالواقع حتى نستخلص عبره و نستوحي روحه ونستحضره في واقعنا بما فيه من حماسة وولاء ومن اضاءات وشعائر، وهكذا تتفعل ظلامة النبي و أهل بيته صلى الله عليهم في حياتنا و تجري في عروق أبناء الأمة عزمات إبائهم، فإذا بهم يتمثلون أمجادهم من جديد. وفي هذا السياق يتجلى دور الشعائر الدينية وبالذات الشعائر الحسينية في إستحضار التاريخ ودروسه وحماسته، بلى.. إن الشعائر بكل صيغها وكيفياتها إنها الجسر الذي يوصل أمتنا بماضيها ويجدد بناء الأمة بصياغة عصرية.
الخطباء و أولوا البصائر
وهنا يبرز دور الخطباء باعتبارهم المتحدثين بإسم النهضة الحسينية والمجددين لروحها في كل عام، إن دورهم ريادي وحساس، فعليهم أن يتحدثوا عن السبط الشهيد عليه السلام وعن أهل بيته وأنصاره بطريقة وكأنهم بيننا وعلينا أن نعيش همَّهُم و نقتدي بهم ونتمثل سيرتهم الوضيئة وشعارنا أبداً (يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً).
وهكذا تتحول كربلاء كل أرض.. وعاشوراء كل يوم.. ونصبح بإذن الله سبحانه من أنصار الإمام الحسين عليه السلام ويومئذ نستدر رحمة الله و رضوانه و ينصرنا الله بفضله على أعدائنا.
علينا ألا نحصر ملحمة الطف الأليمة و العظيمة في إطار شعب أو قوم أو حتى ملة معينة، كلا.. إنها قضية كل إنسان لأنها كانت من أجل كل إنسان، لقد كانت رسالتها عالمية وعلينا طرحها على مستوى العالم ومن أجل نجاة البشرية جمعاء، أولم يكن الإمام الحسين إمتداداً لجده النبي الأكرم محمد صلى الله عليه و آله؟.. أوليس ربنا قد أرسل النبي الأكرم رحمة للعالمين؟.. وإذا كان ساق العرش قد زين بهذه الكلمة: (إنه ـ أي الإمام الحسين عليه السلام ـ مصباح هدى و سفينة نجاة)، أوليس ذلك يعني أن ذلك المصباح يضيء الكائنات جميعاً وأن تلك السفية للخلق أجمعين؟..
إن العالم اليوم أصبح أكثر إنفتاحاً، ووسائل الإتصال أصبحت أيسر وأسرع وتعطش البشرية إلى هدى الله سبحانه وإلى الخلاص من مشاكلها قد أصبح أكثر الحاحاً، فتعالوا نستفيد من هذه النعم وندعوا البشرية إلى خط السبط الشهيد عليه السلام و نشرح لهم ظلامته وعِبَر شهادته لعلهم ينتفعون بمصباح هداه و يركبوا سفينة نجاته. والله المستعان.