قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

نقمة التبادل الثقافي. . العباءة غير العراقية مثالاً
*علي جواد
كنا نفخر دائماً بان مجتمعنا العراقي لن يتخلّ عن طابعه المحافظ رغم نوائب الدهر وتقلبات الظروف السياسية والاقتصادية، فقد عاش العراقيون خلال القرن الماضي في ظل أنظمة حكم تراوحت في ابتعادها عن القيم الدينية والاخلاقية، بين الاهمال وغضّ الطرف، كما هو حال العهد الملكي، وبين التحرّش والاستفزاز، كما حصل في العهد الجمهوري القاسمي، وبين التطاول والتجاوز ثم شن الحرب الشعواء والمكشوفة ضد التديّن والثقافة الدينية كما حصل في العهد البعثي، وحتى فترة سقوط النظام الحاكم في بغداد، كانت العادات والتقاليد الاجتماعية ذات الصلة بالقيم الدينية والاخلاقية قائمة في المجتمع ودارجة في السلوك العام، في مقدمتها الحجاب عند المرأة العراقية في مدن الوسط والجنوب، وكانت المرأة العراقية تتميز في الازياء التي تفضلها عن كثير من نساء البلاد الاسلامية، فلم تكن تعهد الملابس الضيقة أو الفضافضة، إلا ما ندر وفي بعض المناطق.
أما العباءة السوداء، فقد ظلت الهوية الدينية والاخلاقية، والبعض إرتأى أن يدرج العباءة السوداء في الموروث التاريخي والهوية الثقافية للمرأة العراقية، إذ قرأت ذات مرة إن سواد هذه العباءة منشأه الحزن والشجن الساكن في نفوس العراقيين منذ زمن بعيد، ولنا فخر بأن نصدّر هذه العباءة السوداء، الحزينة في ظاهرها والحسنة في جوهرها، الى الشعوب الاسلامية المجاورة مثل ايران والخليج ولبنان، حيث كانت الالوان على الاغلب هو طابع الحجاب هناك، كما اننا في المدن المقدسة مثل كربلاء والنجف والكاظمية وأيضاً الكوفة، نشاهد ويشاهد العالم أيضاً المنظر البهيّ والعظيم لجموع الطالبات الصغار في المرحلة الابتدائية وهنّ يرتدين العباءة ويذهبن الى مدارسهن زرافات، الى جانب الطالبات في المرحلة الثانوية والاعدادية.
ولو نحن لسنا بصدد الحديث عن أبعاد هذه الفريضة الدينية و شروطها ومواصفاتها الصحيحة، فهذا بحاجة الى بحث آخر، إنما نذكّر و "إن الذكرى تنفع المؤمنين"، بانه اذا كان من الصحيح التعرف على تقاليد الشعوب وعاداتهم والاحتكاك بهم في هذه المرحلة من الزمن، لكن هل من الصحيح أن نعد أنفسنا صفحة بيضاء يكتب عليها الآخرون ما يريدون، كما لو أننا شعب دون ثقافة ولا تقاليد...؟!
لقد صدرت اعتراضات على نمط تفكير عمراني جاءنا من الخارج لتوسيع الحرمين الشريفين في كربلاء المقدسة يعد المناطق المحيطة بالحرمين أرض جرداء خالية من السكان والمحال التجارية، ونحن نضمّ صوتنا الى تلكم الاعتراضات، ونرجو أن يضمّ الآخرون صوتهم الينا عندما نؤكد بانه كما في الجانب المادي، هنالك حقوق يجب أن تصان، فان في الجانب المعنوي هنالك حقوق هي أعظم وأهم بكثير لأنها تتعلق بالثقافة والحضارة وبمسيرة مضنية تخللتها تضحيات جسام وصبغتها دماء زاكية، فكيف والحال كذلك نسمح بتسلل نمط من العباءة غير المستورة والهجينة تستحوذ على رؤوس نسائنا وفتياتنا في المدن المقدسة؟ وهل ان وجود هذا النمط من العباءة في بلد آخر مبرراً لأن نتخذه (موديلاً) أو تقليعة للأزياء؟
من الواضح ان الزيّ للرجل و المرأة يعبر بالحقيقة عن ثقافة ذلك الشعب وتقاليد وسلوك ذلك المجتمع، ولا علينا بنوعية هذا السلوك وصحته من سقمه، إنما "عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"، ربما نستفيد من بعض التجارب في مجال الحجاب وهذا حسنٌ، ويندرج ضمن التبادل الثقافي غير المكتوب وغير الرسمي وهو أيضاً مهم جداً في تقوية أواصر الأخوة والمحبة بين الشعوب الاسلامية، لكن أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، كما فعل بنو اسرائيل وخسروا النعم الطيبة، فهذا بالحقيقة هي الخسارة بعينها، وبذلك لن نخسر تقاليدنا عندما نشاهد بعض النساء والفتيات في كربلاء المقدسة – مثلاً- يرتدين العباءة غير العراقية مع الملابس الضيقة، إنما سنخسر أخلاقنا والتزامنا الديني، وعندها سينكر الناس أية علاقة بين العباءة والعفة، وهذا هو الجدار الأخير، نسأل الله تعالى ألا نصل الى عاقبة كهذه. وقبل ان أسحب خط النهاية تحت هذا المقال، أذكّر بان الرجال أيضاً مشمولون بالتذكير "إن الذكرى تنفع المؤمنين"، وذلك في نفس موضوع الأزياء، لكن حسبنا التأثيرات الواضحة والصريحة لأزياء المرأة على الوضع الاجتماعي، ومرة أخرى ندعو للجميع بحسن العاقبة والموفقية والصلاح.