ملفات الفساد رهن الاعتقال السياسي
|
عدنان الصالحي
علامتان مميزتان شهدها العراق في السنوات الأخيرة مثلتا رمزا واضحا للفساد الإداري والمالي، اولها حرق العديد من الوزارات والدوائر وثانيها هروب العديد من السجناء من مواقع محصنة بشكل أو بأخر، ولا يتعدى الامر حينئذ احد الاحتمالين اولها وجود صفقات سياسية ومالية وثانيها التسيب والتراخي في تطبيق القوانين وعدم الجدية في الحفاظ على المال العام، وكلاهما لا يخرج من دائرة الفساد المالي والإداري وحالة التقاعس المستشري في التصدي لهذا الوباء. وفي الآونة الأخيرة حطم العراق الرقم القياسي لحرائق المباني الحكومية وهروب السجناء والتي بقيت أسبابها مجهولة في اغلب الأحيان أو مسكوتاً عنها او حملت على أسباب واهية، فقد شهد العراق نشوب أكثر من خمسة عشر حريقاً التهم مواقع مهمة في وزارات الصحة والنفط والداخلية والتعليم ومستشفيات ومواقع أخرى كالأسواق الرئيسية او المصارف بشكل يضرب البنية الأمنية والعصب الاقتصادي للبلد. وفي مجال هروب السجناء فقد أشارت (منظمة الإصلاح الاجتماعي العراقية شريكة منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية) أن العراق تصدر قائمة الدول التي ترتفع فيها أرقام عمليات الهروب من السجون مما يثير قلق المنظمات الإنسانية من مخاطر تعتري نظام السجون العراقية، فقد رصدت المنظمة وبالتعاون مع المنظمة الدولية أكثر من4000 حالة هروب في عموم محافظات العراق للسجناء منذ عام 2006 وحتى عام 2010، اذ جاءت بغداد في المرتبة الأولى تليها محافظات نينوى، الانبار، صلاح الدين، ديالى، البصرة، بابل، ذي قار ومحافظة واسط حسب تصنيف المنظمة المذكورة، فيما أكد عضو لجنة الأمن والدفاع والنائب عن/ائتلاف الكتل الكردستانية/ شوان محمد طهبان إن هروب السجناء في الآونة الأخيرة أصبح (مودة) حسب تعبيره في إحدى تصريحاته بالتعبير عن حالة الهروب المتكررة للسجناء.
لقد شكلت هاتان الظاهرتان أهم علامات مميزة في سجل الفساد المالي والإداري في المرحلة الحالية وهي على ما يبدو لن تكون آخر افرازات حالات الفساد بل قد تكون أول افرازات هذا الإخطبوط (الفساد) الذي بدأ انه سينهي آمال قيام دولة عراقية حديثة ويقف بقوة بوجه اي بناء مؤسساتي مدني، او تطور اقتصادي او علمي، وقبلنا ام رفضنا هذه الفرضية إلا إن الواقع يؤكد باستحالة أي نجاح سياسي او حكومي ببقاء مثل هكذا نوع من الفساد.
أسباب انتشار الظاهرتين
على ما يبدو فان هاتين الظاهرتين كانت لهما أسباب مهمة أسهمت ودفعت في ظهورهما الى السطح تمثلت بـ:
أولا: حرائق الدوائر الحكومية
1ـ تورط شخصيات مهمة في قضايا فساد كبيرة ومحاولة التستر عليها، قد ترتقي لأسماء بعض الوزراء الذين تسنموا مواقع الإدارة في فترات معينة.
2ـ محاولة بعض الكتل السياسية المنتفعة من بعض الوزارات ماديا خلال فترة إدارة احد أعضائها الوزارة، تضيع وإتلاف الأدلة التي تؤكد استخدامها للمال العالم في تغطية نشاطاتها او تمويل مكاتبها او دعايتها الانتخابية.
3ـ خلخلة عمل الحكومة بشكل يربك وضعها بغية تصعيب عملها وصولا لإخفاقها بقصد التسقيط السياسي، او محاولة إفشال عمل وزير معين بغية تسقيط الجهة التي ينتمي لها سياسيا، وهو من الجانب القانوني يعدّ جريمة قانونية ترقى الى تهمة إتلاف وثائق مهمة او هدر المال العام.
4ـ إحداث ضرر متعمد في أبنية الدوائر الحكومية لغرض التغطية على خسائر مادية صرفت بمواقع غير مهمة يتم تبويبها تحت عنوان (اعمار الدائرة).
ثانيا: هروب السجناء
1ـ أيضا كان السبب الأول والأساس هنا الفساد المالي حيث تأكد في نماذج درستها بعض المنظمات المحلية، من شهادات المتورطين في عمليات الهروب أن السبب في الدرجة الأساس ماديا من خلال تعاقدات بين وسطاء وبين مسؤولي السجن على مبالغ مالية كبيرة لتسهيل هروب الموقوفين من المتهمين وخصوصا بالإرهاب، فيما تأتي العلاقات الاجتماعية ووجود صلات قرابة بين السجناء وبين السجانين بالدرجة الثانية.
2ـالتطرف القبلي والديني والحزبي، فقد ظهر من خلال بعض التقارير إن اغلب عمليات الهروب من مواقف الداخلية ومعتقلات وسجون العدل أو الدفاع هم من ذات القبيلة التي ينتمي لها الهارب وان التسهيلات تأتي من خلال التعارف والتقارب العائلي او القبلي فضلا عن الحزبي بين مسؤولي السجون والمساجين.
3ـ تورط بعض الجهات السياسية او الحزبية بعمليات مسلحة، ومحاولة تهريب السجناء لإخفاء اي دليل يكشف اي اعترافات تدين هذه الجهة او تلك.
4ـ وجود قنوات اتصال متطورة لدى نزلاء السجون، مقابل مبالغ مالية كبيرة تقدم للإدارات وبعض المنتسبين في السجون، من بعض النزلاء بغية تسهيل إيصالها بما في ذلك الهواتف النقالة والانترنت ما يسهل عملية الاتصال بجماعات إرهابية ومسلحة تستفيد من كل ثغرة موجودة لدى السجون ونظام الحراسات فيه.
5ـالتأخر الكبير في محاكمة المتهمين نتيجة الروتين والمجاملات السياسية وتدخل السياسيين في الشأن القضائي، والأعداد الهائلة المودعة في مواقف تتجاوز طاقتها الفعلية وتحميل الإدارات مسؤولية خارج عن طاقتها في رصد كل التحركات للنزلاء.
في ظل الفتور والخلاف السياسي الواضح منذ نهاية الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة العراقية، فان الوضع يعدّ عصراً ذهبيا لحماية المفسدين والإفلات من المتابعة، وهذا بدوره بدأ يثمر بأشكال مختلفة وافرازات متنوعة من الحالات ولعل ما اشرنا اليه من ظاهرتين على الساحة العراقية قد لا تكون آخر تلك الافرازات بل بداية لظهور حالات أخرى تكون انعكاساتها اكبر بكثير من تلك الحالات الحاضرة الحدوث، والسبب الرئيس هو ان العقاب مازال بعيدا عن المتورطين.ورغم إن جهات كثيرة تتوقع تفعيل لجان النزاهة بشكل قد يكشف الكثير من القضايا الكبيرة ومنها خمس قضايا كبيرة للفساد الإداري والمالي تطال وزراء سابقين وحاليين لا يزالون في مناصبهم وعددا من المسؤولين الحكوميين، إلا إن المنظمات الدولية لا تزال تشك بقدرة الحكومة العراقية على محاربة الفساد كونها مازالت تتمسك بنصوص قانونية تسمح للموظف بالهروب بشكل علني من اي متابعة ومحاسبة، مضاف الى ذلك ما أقرته بعض اللجان التحقيقية من تورط شخصيات مقربة من رئاسة الحكومة بقضايا فساد مالي واداري وتم تمييعها دون اي نتائج تذكر. في هذه الأثناء أبدت بعض الجهات الرقابية عدم قلقها من تراخي الجهات الحكومية في تفعيل وإخفاء الكثير من الأدلة التي تدين المتورطين بهذه القضايا كونها (تلك الملفات) موزعة على مجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمواقع الالكترونية ليتم نشرها في حال تم تأخير إعلانها. وبعيدا عن جميع ما ذكر فان المعيب في الأمر والذي يشكل سابقة خطيرة وعلامة سيئة في بنية الدولة العراقية الجديدة هو عدم وضوح الرؤيا للطرق التي يتم بها محاربة الفساد بل إن الأمر مازال رهين الصراعات السياسية التي يخفت صوتها حين تكون الكتل السياسية قريبة من بعضها فيما تعلو أصوات المطالبين بمحاسبة المتورطين في الفساد عند اي خلاف سياسي، وهذا بدوره يشكل عقبة كبيرة أمام عمل أي لجنة رقابية، كون القضية وضعت رهن (الاعتقال السياسي) وهو طامة كبرى لن يكون حلها بالأمر الهين فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه.
|
|