قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الزمن وقضايانا العالقة
كم من الفرص والوقت والاموال اهدرنا ؟!
د. محمد عبدالله
يروي أحد حكماء ايام زمان قصة رمزية حول ما سماه بــ (لعبة الزمن)، فقال انه في سالف الأزمان كان هناك والٍ في صراع دائم مع احد وزرائه الأقوياء، وقرر في يوم القيام بحيلة لاقصائه، فناداه وطلب منه ان يقوم باستنطاق دابة، أجلكم الله وهي (حمار) يملكه، هنا أدرك الوزير ان وراء هذا الطلب المستحيل هلاكه، خصوصا ان طلب الوالي اذا لم يتكلم الحمار ستدفع حياتك ثمنا، وهنا طلب الوزير باصرار من الوالي ان يترك الحمار لديه لمدة عشر سنوات، فأجابه الوالي الى طلبه وهو يضحك!
ومرت السنوات العشر، وبعد ذلك طلب الوالي وزيره، واذا بالحمار لا ينطق، وهنا سأل الوالي: لماذا طلبت السنوات العشر وأنت تعلم بأن الحمار لن ينطق، فأجابه الوزير طلبت الأعوام العشرة أملا في ان يموت (الحمار) فأنجو، أو أن (أموت) فينجو الحمار أو أن تموت أنت فننجو جميعا، وهكذا راهن الوزير على لعبة الوقت فلم ينج ولم ينجح.
ترك القضايا عالقة ومعلقة بلا حلول هي تأجيل للمشاكل وعدم مواجهتها هو تصعيب للحلول، فكم من قضايا الأمس علقت فأمست خيالا وأصبحت غولا يأكل اليابس والأخضر.
لنعد للذاكرة قليلا.. فمشاكل الكهرباء، والاسكان،وسوء الخدمات، والتوظيف والبطالة والفقر، والصحة والزراعة، والاقتصاد الاستهلاكي المشرع على الاستيراد، و... قائمة من المشاكل، كانت منذ سنوات ولاتزال الى هذه اللحظة، تجترها الدولة ولاتزال،عاما بعد عام، حكومات ومجالس نواب ومحافظات.
اشير الى هذه الامثلة والمحاور للوصول الى نتيجة وعلة معروفة سلفا، وهي اننا نتعامل مع مؤسسات دولة متعاقبة، اضاعت الوقت والمال في قضايا (او الكثير منها على الاقل) كان من الممكن أن يكون تفاديها في البداية سهلا.
الحكومات والمجالس المتعاقبة، وعلى رأسها الزعماء والساسة، تدفع سياسيا واقتصاديا واخلاقيا ثمن خطاياها، فالازمات التي نعيشها متوالية، لايمكن أن تكون عصية على المعالجة، وقد تكون سهلة الحلول اذا توفرت النوايا الصادقة والشفافية والاخلاص في الاداء بعيدا عن ثقافة الاستحواذ والاقصاء والمصالح الفئوية والشخصية، لكن البطء الشديد وتركها للزمن، هما اللذان يجعلانها تكبر ككرة الثلج، وهما اللذان يجعلان الناس ناقمين ومحبطين، بل وكما نرى في بلدان المنطقة تجعلهم يخرجون الى الميادين بحماسة ضد الحكومات والانظمة الحاكمة، اي نظام واي حكومة، لاسيما الحكومة والنظام اللذان يبددان الوقت والمال والفرص كما يبددان حقوق الناس وكرامتهم وصبرهم و...
ما يحدث اليوم في بلادنا هو ماحدث سابقا، اضاعة للوقت والمال الثمينين وللفرص،، دولة تنتظر الزمن الجميل يحل مشاكل اغلبها خلقناها بأيدينا.
في جميع الدول في العالم هناك صراعات سياسية، لا تتوقف فيها العجلة، والمصانع والمزارع يعملان والخدمات يتم تقييمها من وقت لآخر وتحدث فيها البنية الأساسية، أما في بلادنا فالقضايا معلقة حتى تموت القضايا أو نموت نحن من (القهر).. انها (لعبة الزمن). وفي الختام كم من الفرص والامكانيات والاموال و الوقت الثمين ضاع مناَ ؟!