قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الغرور عند الشباب. . محاذير للانحراف وفرص للبناء
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / إيمان عبد الأمير
يحدِّد بعض علماء النفس (غرور الشباب) وتعاليه على المشورة والنصيحة والاستماع لرأي الكبار بخمس سنوات من (16-20) سنة، وقيل عشر سنوات من (15-25).
في هذه الفترة تبدو القناعة راسخة بأن عقلي كمراهق راجح، وإنّ معرفتي واسعة، فلم الحاجة للرجوع إلى مستشار أو مرجع اجتماعي او قانوني أو ديني...؟! لكنني أنسى أنّ المشورة نافعة في كلّ حين، وكلّ مكان، ومع كلّ الأعمار. ويظن الشاب أو الشابة – لا فرق- أنهما الوحيدان اللذين يحتاجان الى المشورة، في حين ان المستشار نفسهُ قد يحتاج إلى المشورة من غيره، وفي غير مجال إختصاصه، وصدق أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (مَن شاور الناس شاركهما عقولهم).
المشكلة تظهر وتطفو على صعيد المجتمع عندما يدفع (الغرور) بالفتاة المراهقة او الفتى المراهق لاتخاذ قرارات او التصرف بشكل يؤدي بهم الى نتائج سيئة لا يحبذونها، وقد يصعب النجاة من بعضها، وقد تصحو الفتاة – مثلاً- بعد فوات الأوان لتشعر بالندم لأنّها لم تستشر قبلُ أن تُقدِم أو تقرر، وحين تقع في الخطأ وتحسُّ بضرره أو مرارته، تعرف كم كانت مغرورة حين خاطبتها نفسها أن ما تعملينه هو الصحيح. كذلك الحال يحصل عند الشاب او الفتى المراهق، فيقدم على خطوة معينة في عالم المهنة او تحت ظلال العواطف، فيتسرّع في قراراته التي يراها صائبة وتنطبق مع شخصيته ومزاجه، لكن لايلبث ان يصطدم بالحقيقة البشعة، ويتذوق مرارة الفشل والندم.
في الطبّ النفسي هناك مدرسة تقول إنّ غرور الشباب وطيشهم هو نوع من الجنون وهو ضعف عقلي سريع يظهر عند البلوغ، ومن المحتمل أن يكون نتيجة إضطراب إفراز الغدد الداخلية. وعلاج الضعف العقليّ أو نقص المعرفة – كما ألمحنا – هو أن نضيف إلى رصيد عقلنا رصيداً عقلياً آخر أو أكثر من رصيد، على أن نُحسن إختيار (المستشار) فليس كل كبير يصلح أن يكون مستشاراً، ربما أمامنا رجل كبير في السن، لكنه ليس على الصراط المستقيم، أو هنالك إمرأة عليها سيماء العفاف والمحافظة لكنها تحمل افكار التحلل الخلقي والعادات السيئة والبعيدة عن الدين والايمان، فالاستشارة من هؤلاء لمجرد ظاهرهم يورط الشاب والشابة بدلاً من ان يهديهما الى القرار الصحيح، لذا يجب الحذر عند اختيار المستشار، فهو بالحقيقة كالدليل للزائر الذي يريد عنواناً في مكان ما، فعليه ان يسأل – مثلاً- صاحب محل تجاري أو رجل يقف على عتبة بيته، وليس طفلاً صغيراً يلهو في الزقاق او أي انسان مستطرق.
اكتساب التجربة
من بين ما أثبتته الدراسات النفسية إضافة إلى أنّ المراهق في تغيّر من الناحية العضوية، ما جاء في أبحاث العالم هاروكس في كتابه (علم نفس المراهق) من أنّه – أي المراهق أو المراهقة – غير ناضج من الناحية العاطفية، وذو تجربة محدودة، وتابع للوسط البيئي ثقافياً، يريد كلّ شيء، لكنّه لا يعرف ما يريد، يتصوّر أنّه يعلم كلّ شيء، لكنّه لا يعلم شيئاً.. يعيش في حلم وخيال.. إنّه ثملٌ واعٍ ونائم صاحٍ...! والفتاة المراهقة تقضي أكثر وقتها لوحدها، وتميل الى الإستغراق في أفكارها بعيداً عن الآخرين، أي أن تعيش في عالم خاص. ومعنى: (يريد كل شيء لكنّه لا يعرف ما يريد)، أي إنّه كثير الطلبات والتوقعات، لكنّه لم يحدِّد بُعد وجهة نظره أو هدفه بشكل حاسم. ألا نلاحظ إن البعض يريد أن يصبح طبيب مرّة، ثم معلِّماً مرّة اخرى، أو كاتباً لكنه يتحول الى محامي وهكذا....! إلى أن يأتي اليوم الذي يتحسن فيه إختيار المراهق لصالح عمل أو حرفة أو مهنة يجد نفسه فيها أكثر.
وأمّا القول: (يتصوّر أنّه يعلم كلّ شيء لكنّه لم يعلم شيئاً) لا يعني أنّ المراهق جاهل تماماً، لكن معرفته لا تزال محدودة، لأن تجربته في الحياة قصيرة، وكلما عمّر أطول تكشّفت له الحقائق أكثر، وعرف واعترف أيضاً أنّه حينما كان يتصوّر بعض الأشياء بنحو معيّن، كان ساذجاً و طفولياً وقليل الخبرة، وربّما يضحك على بعض تصرّفاته أو تخيلاته وتصوراته التي كان يظنّ أنّها هي الحقيقة المطلقة.
إن قضاء بعض الأوقات منفرداً في حالة تأمل وإستغراق في بعض الأفكار بعيداً عن الآخرين، لهو شيء إيجابي ولا يجب ان يكون عند الكبار نوعاً من الانزوائية او ينظروا اليه على أنه مضيعة للوقت او عمل سلبي يستوجب الصراخ والعراك. ثم لا ننسى إن التأمل والتفكّر من وصايا الدين الحنيف وما جاء في الاحاديث الشريفة: (تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة)، ولم يشر الحديث عن سن هذا المتفكر، شاباً او شيخاً كبيراً، وفي القرآن الكريم جاءت مفردة (التفكر) في أكثر من آية كريمة.
إذن، من حق الشاب والشابة أن يأخذا وقتهما في التأمّل. لكن لابد من العودة إلى الواقع بعد كل رحلة تأمّل. لايجاد العلاقة الوثيقة بين الواقع وبين التصورات والطموحات، ولا يجب عليهما ان يكونا ريشة في مهبَ الريح للخيال يذهبُ بهما إلى حيث يشاء. فقد يُلقي باليافعين في المتاهات والمزالق.
الجنس وإثارة العجُب بالنفس
أسلفنا في القول؛ ان أحدى اسباب ظهور حالة الغرور واستفحالها لدى المراهقين والشباب من الجنسين هي الاضطرابات في الغدد الداخلية، فان الحقائق العلميّة أكدت أنّ نشاط الغدد الجنسيّة لدى كلّ من الجنسين في مرحلة البلوغ لها تأثيراتها النفسيّة والروحيّة على كلّ من الشاب والفتاة.
العالم الغربي وصاحب كتاب (الانسان ذلك المجهول) الكسيس كارل يرى أنّ هذه الغدد تؤثر في القدرات الروحية. وإنّ إزالة هذه الغدد على البالغين أدّت إلى تغييرات في حالاتهم النفسيّة، وإلى فقدان شخصيتهم بالتدريج.
إذاً، ما أودعه الله فينا من غريزة جنسية له تأثير جسدي ونفسي فينا أيضاً، كما تقدّمت الإشارة إلى التلازم الجسدي والنفسي في كيان الإنسان، فهذه الغريزة تخلق الرغبة بالزواج وإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة وتواصل الأجيال.
هنا لابدّ أن نقف وقفة واعية لندرس التأثير الذي تتركه التغييرات الجنسيّة في حياتنا، لنتعامل معها بشيء من العلمية وشيء من الواقعية أيضاً، حتى لايكون الغرور؛ هذه الصفة الطارئة، عاملاً يدفعنا لركوب موجة الجنس دون عقال او رابط فتكون النتيجة الغرق والموت المعنوي وربما المادي في بعض الحالات، عندما تصل الازمة الى الانتحار – لاسمح الله-.
1- الغدد الجنسية الموجودة لدى الجنسين جزء من التكوين الجسدي لكلّ منهما، ولكل منهما موقع خاصّ ووظيفة خاصّة في الجسد، ولهما إفرازات معيّنة، ولكن الغرائز ليست في قياس واحد، فهناك مثلاً فرق بين غريزة الجوع وهي الحاجة الى الطعام، وغريزة الجنس وهي الحاجة إلى المعاشرة، في الحالة الأولى يموت الإنسان إذا لم يلبّها لفترة معيّنة. لكن الثانية المسألة مختلفة، فقد يعيش الإنسان ويموت ولا يعاشر الجنس الآخر. كما ان غريزة الجوع تتحرّك ذاتياً وتلقائياً، إذ تدقّ جرس الإنذار في معدتنا كلّما شعرنا بلذعة الجوع أو حاجة الجسد إلى الغذاء، أمّا غريزة الجنس فتتحرّك بتحريض ذهني أو دفع خارجي. أي أنها تحتاج إلى مثير ومؤثِّر أو محرِّض حتى تنفعل، وإذا لم يحصل هذا فهي تبقى راقدة راكدة. فهي أشبه شيء ببعض الحيوانات المفترسة إذا هاجمته استثرته فهاجمك، وإذا تحاشيته سكت عنك!
2- دلّت أحدث النظريات العلمية على أنّ إدخار أيّة قوّة غرائزية جنسيّة أو غير جنسيّة – كقوة الغضب والإنفعال مثلاً – وعلى عكس ما كان سائداً ومتصوراً من أنها تسمِّم الجسم أو تصيبه بالمرض، تفيده في رفد وتغذية القوى البدنية الأخرى ومنها العقليّة، أي أن تقنين إستخدام الغرائز والتحكم فيها يوظفها فيما يُسمّى علمياً بـ(تحويل القوى) ولذلك فالذين يفرطون في إستخدام غرائزهم الجنسيّة، تضعف قواهم الأخرى، ممّا يؤكِّد صحّة هذه النظرية، وحين نسوقها هنا لا ندعو لتعطيل الموهبة الإلهيّة، بل نطرحها كجزء من ثقافة جنسيّة متكاملة.
3- شاءت حكمة الله في الخلق والإبداع أن لا يخلق جهازاً ولا غدّة إلا ولها وظيفة معيّنة وقد حدّد لكل جهاز وظيفته المشروعة والتي تلبّي حاجته، فجعل الزواج هو طريق تلبية الرغبات الجنسية بين الجنسين، ولإستمرار النسل البشريّ، وما عداه طرقاً معوجّة وملتوية وغير مقبولة شرعاً. بإمكانكِ أن تجري دراسة مقارنة بينَ ما تسببت به الحياة الجنسية غير الشرعية من أضرار ومساوئ وجرائم ومفاسد وأمراض، وبين ما تحقِّقه الحياة الجنسية الزوجية من سكينة وإستقرار وبهجة ودفء في المجتمع، الى جانب تقوية البنية الحضارية، فالحضارة لا يمكن ان تقوم وتدوم على قاعدة مجتمع مفكك.
4- أراد اللهُ تعالى للشاب وللفتاة أن يبتعدا عن أجواء الإثارة، فليست الفتاة وحدها المطالبة بإرساء أجواء العفّة، بل الشاب أيضاً، وكلّما تقلّصت أجواء الإثارة خفّت حدّة التوتر الغرائزي، أو ما يصطلح عليه البعض بـ(حالة الطوارئ الجنسية).
في أكثر من إستبيان لعينات من فتيان وشباب حول تأثير وسائل الإعلام في تأجيج الرغبة الجنسية، أكّد ما نسبته 80% منهم على أنّ مشاهدة الأفلام المثيرة تُلهب هذه الرغبة عندهم، ولذلك فإن معنى "وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا" (الإسراء/ 32)، أو "وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ" (الأنعام/ 151)، هو أن لا تحوموا حولها لأنّكم إذا فعلتم وقعتم في حفرتها ومطبّاتها ومزالقها وبعض الوقوع ليس وراءه خروج.
5- التجارب الواقعية دلّت على أنّ أفضل سُبُل العفّة للفتيان والفتيات على السواء هي الزواج، ولمّا كانت ظروف الزواج ليست ميسّرة دائماً، بل هي صعبة أو (مصعّبة) في أكثر الأحيان، فإنّ إلتزام العفّة لحين التمكُّن من الزواج شرط وإن كان صعباً إلى حدٍّ ما إلا أنّه لا بديل لذلك.
إنّ تجربة مريم (ع) ليست تجربة خاصّة بأُم السيد المسيح (ع)، إنها نموذج قرآني أو مثل أعلى لكل فتاة مسلمة تريدُ الحفاظ على عفافها وسمعتها ودينها وأخلاقها، ولذلك قال عنها تعالى في مورد ضرب المثل لكلّ النساء: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" (التحريم/ 11-12). فهي مؤمنة بما أنزل الله ومطيعة ومخلصة لله وملتزمة بما أراده تعالى منها.
هي ليست تجربة العزوف عن الزواج لخصوصية النذر والوقف في قصة مريم لتكون فتاة المعبد، لكنّها بالتأكيد قصة (العفاف) الذي هو ممكن طالما أنّ إمرأة مؤمنة كمريم حافظت عليه أشدَّ المحافظة.
بقي أن نؤكد أن مناقشة حالة (الغرور) ليس من أجل قمعها واستبدالها بالوضاعة والاهانة، فهذا ليس من العقل ولا من القيم الاخلاقية التي يوصينا بها ديننا الحنيف وسيرة أهل البيت عليهم السلام، إنما توظيف كل ما يحمله الشاب والشابة من طاقات وقدرات كامنة للبناء الاجتماعي والثقافي، يقول الحديث الشريف: (رحم الله إمرءً عرف قدر نفسه). لكن من دون هذه المعرفة تطرأ علينا حالة (الغرور) والعجب بالنفس لتكون البديل للسلوك القويم، لذا نرى الرفض والاستنكار لدى معظم إن لم نقل جيمع المراهقين من الجنسين، لدى سماعهما كلمة (أنت صغير السن)، فهما يحاولان دائماً الظهور على أنهما في سن متقدم وبامكانهما فعل أي شيء كما هو الحال عند الكبار، الامر الذي يستدعي منّا توازناً في العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة ليكون كل فرد في موقعه المناسب ويأخذ كل ذي حقٍ حقه. ابتداءً من الطفل ذي السابعة من العمر في مرحلته الاولى من الادراك والتمييز، ومروراً بفترة المراهقة ثم البلوغ الشرعي والجنسي ثم فترة الشباب وهكذا... ليعم الخير الجميع.