قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لنتعامل بجدّية مع (الفصام)
*عبد الكريم العامري
أشد ما يميز المصاب بالفصام هو فقدانه للعلاقة مع عالم الواقع، إذ يصبح غريبا عن واقعه ومحيطه وكأنه يعيش في محيط خاص به لا يمت بصلة لعالم الناس الذين هم حوله، هكذا فانه يعيش في عالمه بشكل لا مبال، فيبدو جامدا دون حراك، مطيعاً، منقطعاً كالتمثال، أو كالأصم الأبكم!
يلاحظ عليه انه يعيش حلماً داخلياً، وقلما تجعله الحوادث المحيطة والوقائع الخارجية، يعود للواقع بل بالعكس يبقى عما حوله ويزول وعيه بالحقيقة، بل ان وعيه بنفسه وشخصيته يصبحان معدومين تماما.
يطلقون عليهم في مجتمعنا استخفافاً (رعاية)! يبدون فقراء حال، يجوبون الشوارع والطرقات، نراهم يتحدثون مع أنفسهم.
إذا شئنا وصف سلوكه الشخصي لوجدنا انه يقوم أحيانا عديدة ببعض الحركات الغريبة أو التشنجات اللاطبيعية. فوق ذلك فالمريض بالفصام يهمل حاجياته الأساس، الغذائية منها والبيولوجية المختلفة فلا الطعام ولا المحافظة على الحياة ولا غريزة البقاء تبقى ذات فعالية وتأثير في سلوكه ومتطلباته ودوافعه.
هناك حالتان متناقضتان تماما في شخصية المريض بالفصام :
الأولى: في حالة التخدر والجمود نضع له يده على أذنه، أو نوقفه على قدم واحدة. يبقى في تلك الوضعية الصعبة لمدة طويلة جدا تتجاوز الساعات.
الثانية: ينقلب من الجمود التام الى وضع هجومي فيقتل دون تصميم أو تنبيه، إذ قد يهجم على طبيبه أو معالجه، ومن هو أمامه ليخنقه، أو قد يكلم شخصا وهميا ويحادثه. هو في ذلك كله يظن ان الشخص موجود بالفعل، أو معالجه شيطان يسعى لقتله، لذلك فهو ينفذ كل ما يخطر في باله وما يرد في فكره دون وعي ولا تحكيم إرادة وعقل.
أسباب المرض :
تظهر أعراض الانفصام على المصاب بين سني الثالثة عشرة والثلاثين. يكون الشخص بدايةً بحالة ممتازة أو طبيعية، لكن فجأة تبدر من تصرفات وسلوكيات غريبة فيضحك أو يبكي بشكل لا سوي وبدون سبب أو يشرد بذهنه في حالات جمود وانطواء أو يقوم ببعض الحركات الغريبة لامألوفة. شيئا فشيئا يفقد الأحاسيس والعواطف تجاه أهله وزملائه ومحيطه فيصبح كل شيء لديه جامدا، لا يهمه ولا يثيره ولا ينتبه له، فلا عواطف ولا محبة ولا بغض ولا تفضيل. ينقطع تماما عن الواقع والمحيط ثم تبدو عليه حالات الهلوسة ويهمل حاجياته ونفسه وبيته وذويه.
من أسباب هذا المرض ما هو عضوي، كالهزال البدني والاضطرابات في الغدد الجنسية. ان المرأة عندما تصاب به ينبت الشعر في وجهها، بعكس ما يحصل لدى الرجل عندما يقع فيه.
إلا ان الأسباب النفسية عديدة في هذا المجال، قد تكون هي الأساسية، منها وضع الشخص العادي في مواقف فوق طاقاته النفسية وقدراته أو امكانياته، مثل قيامه بعمل شاق عليه أو لا يحبه ولا يطيقه أو لا يستطيع القيام به كالسجين والعاطل عن العمل والمديون. بمعنى آخر، إذا وضع الإنسان في مجال أو موقف صعب و أقوى منه واصطدم به وأحس بضعفه تجاهه فان (الأنا) هنا تقع في اضطراب انفعالي ومشاكل نفسية انفعالية. قد لا يجد هذا الصراع حلوله إلا في المرض النفسي العصبي أولاً، ثم العقلي فيما بعد. ان دفع النفس لعمل فوق الطاقة قد يؤدي، مع وجود عوامل عديدة، الى الوقوع فيما يسميه علم النفس بـ(هذيان العظمة) أو (جنون الاضطهاد) حيث يقول الشخص عن نفسه انه احدى الشخصيات العظيمة ولطالما نسمع من يقول انه السلطان كذا..! أو الزعيم...! أو ما أشبه. أما في هذيان الاضطهاد فيعتقد المريض انه ملاحق من قبل هذا أو ذاك، يودون قتله أو ازعاجه، ملاحقته واضطهاده فيعيش تحت وطأة هذه الاعتقادات القسرية والموجهة بقوة لوعيه وسلوكه.
إذن، ان تكليف الشخص، ما لاطاقة ولا قدرة له عليه قد ينهي صراعه مع وضعيته الاجتماعية النفسية هذه بان يقع في الفشل، وسقوطه في حل هو الهروب من الواقع أي من وضعيته المذكورة الى عالم الخيال حيث يعيش كما يحلو له بلا متاعب ولا مضاعفات، في الوهم، في الحالات اللاسوية والمرضية، في المرض العقلي.
العلاج:
العلاج الطبي والنفسي متوفر لدى مصحّات الامراض العقلية على صعيد البدن، حيث يقوم المختصون بدايةً بتقوية الصحة العامة لدى المصاب داخل المستشفيات من خلال الصدمات الكهربائية أو اجراء جراحة في الدماغ أو العلاج بالانسولين لكون المصاب بهكذا حالات يتعرض لارتفاع السكر في الدم.
الى جانب ذلك يكون العلاج النفساني ضروري ولازم، ومهمته إحياء الثقة بالنفس لدى المريض، وتوطيد العلاقة مع المعالج النفسي، وتعويده على ان يقوم بعمل سهل في حدود امكانياته ليلحظ نجاحه، لكي نضعه في جو يشعر فيه انه ناجح وذو أهمية وتقدير، وله منافعه وامكانياته وشخصيته المحترمة، انه شخص قادر يؤدي دوراً في مجتمعه الذي يحترمه.
ان إعادة تأهيل المريض يقوم هنا على إعادة تلاؤمه مع بيئته وخلق التوازن معها. بهذا يتخلص من الاضطرابات ومن عالم الوهم والانزواء ومن عالم الهروب من الواقع. هذا في سبيل ان ينتقل الى احساسه بالثقة بنفسه وبامكانياته ضمن بيئة تقدره وتحتاج اليه، حيث تتوفر الطمأنينة والراحة له.
لكن ما يجب التنويه اليه في الختام؛ ان أهم عقبة في مسيرة الصحة والسلامة لهكذا مصابين، هو الحاجز النفسي والاجتماعي الذي يفصله عن الطبيب النفسي. إذ من الشائع اجتماعياً، من يراجع هكذا اختصاصات معنى انه يحكم على نفسه بالجنون او الاختلال العقلي، مما ينعكس على وضعه الاجتماعي فضلاً عن ان حالته تزداد سوءاً. لذا يجب التأكيد من هنا على ان وجود الطبيب النفسي أمرٌ غاية في الاهمية في مجتمعاتنا لاسيما المجتمع العراقي، نظراً لكثرة العوامل المؤدية للإصابة، فنحن لدينا الايتام والارامل والبطالة وجحافل عمالة الاطفال في كل مكان، والمنتكسين في الحياة المهنية وفي الحياة الزوجية، ولو كل ذلك بنسب معينة في مدننا، لكن في كل الاحوال، لابد من الاعتراف بأهمية الطب النفسي، وإلا لما كان هنالك علم يُدرّس في الجامعات باسم (علم النفس) و (علم النفس الاجتماعي)، وهناك العلماء والخبراء لابد من استدعائهم والتفاعل معهم لوضع خارطة طريق صحيحة تضمن لنا سلامة نفسية لجميع أفراد المجتمع بما يطمئننا على مستقبل جميل ومشرق.
*خبير اجتماعي