الثقافة والفساد السياسي
|
* سالم علي راضي
عندما يجري الحديث عن الاسقاطات والاخطاء في الأداء السياسي يتصور البعض ان سبيل الحل يبدأ من السياسة نفسها، أي اننا نحل الاشكال السياسي بالديمقراطية أو بالمفاهيم السياسية الاخرى، مع ان هذه المفاهيم نفسها تشكو التصدعات ولا يدعي اصحابها الكمال بالمرة، ولذا نجد ان ظواهر من قبيل الفساد الإداري والفردية والتسلّط وغيرها مما ينضوي تحت الفساد السياسي، تكاد تكون أمراض مزمنة غير قابلة للعلاج في بلادنا ومنها طبعاً، العراق...
ومع وجود الاجماع على (الديمقراطية) كاطار للأداء السياسي في الوقت الحاضر، فان الانسان - الفرد يبرز كعامل أساس في ظهور ومعالجة الفساد السياسي مع كل مضاعفاته وتوابعه، وكما رأينا في العراق، كيف ان (325) نائباً تم انتخابهم في أجواء ديمقراطية! ثم كيف ينقلب الرأي الجماهيري إزاء هؤلاء النواب المنتخبون بسبب فشلهم في تشكيل الحكومة! ربما السبب الظاهري للاحباط واليأس يعود الى التجاذبات والمماطلات بين الكتل النيابية والمساومات في دهاليز السياسة، لكن بالمحصلة النهائية تعود المشكلة الى ذات الانسان – الفرد الذي انتخب بارادته أولئك الاشخاص، ويبدو ان البعض كان يتصور ان المنتخبين هم الذين سيتكفلون بحل المشاكل التي يعاني منها الانسان العراقي، في حين ان القضية ليست بهذه السهولة، فمشاكل الانسان ناتجة عن افعاله وتصرفاته وليست تصرفات غيره، فلو إن شخصاً أبتلي بفيروس يسبب له آلام مبرحة، هل يتوسل بالمسكنات والمنشطات لمكافحته وازالته، أم سيتخذ الاجراءات لاقتلاع الفيروس من جذوره قبل ان يقضي عليه؟
واذا كان الأمر هكذا، حيث ان السياسة هي معيار ومقياس حركة الانسان، وتوجه المجتمع سلبياً او ايجابياً، فان معالجة السياسية نفسها في حال تعرضها للفساد، لن يتم إلا بمعالجة سائر المشاكل والازمات التي يعيشها الانسان سواء النفسية منها والاجتماعية والاقتصادية. والسبيل الى ذلك هو ثقافة الانسان نفسه والتي تعبر أو تعكس منظومة سلوكه وقناعاته وعقيدته، ومن أجل ذلك نعترف ونقرّ بالمعادلة والسنّة الالهية الثابتة التي تقول إن الحاكم الصالح يأتي به المجتمع الصالح، والعكس بالعكس تماماً، وهذه السنة غير قابلة للتغيير او التبديل مهما كانت الظروف، والقرآن الكريم يؤكد لنا هذه الحقيقة، في الآية الكريمة: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم"، ونبينا الأكرم (ص) يقول: (كيفما تكونوا يولّ عليكم).
الى جانب ذلك يقدم الدين الاسلامي الصورة الناصعة للثقافة الاصيلة المتضمنة منظومة متكاملة من القناعات والممارسات والعادات التي تجعل الانسان بحق يسير في طريق منير لايجد فيها زاوية مظلمة في أي أداء أو اجراء سياسي من أصغر موظف وحتى أكبر مسؤول في الدولة. لكن كيف يكون ذلك؟ هل بالتمنّي والترجي والدعاء وحسب؟ هذا هو الجواب: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" (سورة النجم /39).
إن الاسلام لا يوافق البعض الذين ينامون على حرير الأماني والاحلام بحجة انتظار استجابة الدعاء او قدوم النصر والمدد من السماء أو غير ذلك. فلا عبثية في الحياة والوجود، "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (سورة المؤمنون /115)، إنما الحياة عمل وجد واجتهاد وبالنتيجة الانتاج والفائدة للأمة، وتبقى هذه حجة دامغة أمام كل الذين حاولوا وما يزالون إلصاق تهمة (الرجعية) أو (التخلف) بالاسلام، ولو اننا لا نرى اليوم أثراً للمقولة الشهيرة (الدين أفيون الشعوب)، لكن في كل الأحوال يتعين علينا الحذر واليقظة دائماً ممن يحاول بناء الجدار العازل بين الثقافة والسياسة، فالثقافة التي يحملها الانسان بلغة الأدب أو الفن أو اللغة أو بقية المسارات الثقافية، هي الوحيدة القادرة على صنع السياسة وليس العكس، واذا وجدنا ان هذه الثقافة لم تتمكن من التغيير ايجابياً، علينا أن نكون متيقنين بان هذا التأثير يكون سلبياً لا محالة.
|
|