العراق في قائمة أغنى الدول
|
نجاح العلي
يعد مدخول الفرد الشهري والسنوي والقدرة الشرائية علامة مميزة على مدى رقي مستوى المعيشة للفرد والمجتمع، وهو أمر ثابت لاجدال عليه في كل زمان ومكان، لكن الامر في العراق مختلف، كما هو شأنه على مر العقود، إذ انه رغم ارتفاع معدلات الدخل للفرد الا ان مستوى معيشته ومستوى الخدمات التي يحصل عليها متدنية جدا، بسبب انهيار البنية التحتية لديه، ففي الثمانينيات على سبيل المثال رغم ان العراق تبوأ مراكز متقدمة في مستوى الدخل عربيا وعلى مستوى الدول النامية الا ان اغلب هذه الاموال المرصودة والمحسوبة ضمن مستوى دخل الفرد ذهبت على شراء الاسلحة والملذات والصفقات المشبوهة لرموز النظام السابق وحاشيتهم وزبانيتهم.
اما اليوم فيحتل العراق المركز الـ 13 عربيا والـ 124 عالميا من بين 182 دولة شملتها قائمة مجلة جلوبال فاينانس لأغنى وأفقر دول العالم، اذ بلغ نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي في العراق 3758 دولارا في عام 2010 مقابل 3570 دولار في عام 2009، وطريقة الحساب ببساطة بتقسيم ايرادات الناتج المحلي على نفوس الدولة، اي تقسيم ميزانية العراق لعام 2010 البالغة 72.4 مليار دولار، على سكان العراق الذين يقدر عددهم 30 مليون نسمة. وتعادل ميزانية العراق لعام 2010 ميزانية أربع دول مجتمعة هي سوريا 16 مليار دولار والأردن 7.6 مليار دولار ولبنان 6.2 مليار دولار ومصر 36.5 مليار دولار رغم ان عدد سكان مصر 85 مليون نسمة.
لكن رغم الميزانية الانفجارية للعراق الا ان مستوى دخل الفرد العراقي الحقيقي لايتجاوز المئة دولار باحتساب دخل الاسرة الشهري التي تتكون من خمسة افراد في افضل الاحوال 500 دولار شهريا، اي اقل بثلاثة اضعاف مما معلن رسميا في قائمة جلوبال، والسبب في ذلك وبحسب احصائيات وزارة المالية العراقية ان 90% من ميزانية الدولة العراقية، اي ما يقارب 60 مليار دولار يذهب كمرتبات ومنح مالية شهرية للموظفين والمتقاعدين ومنتسبي القوات الامنية الذين يفوق عددهم المليون فرد، اما الاموال المخصصة للبنى التحتية والاستثمار فلا تتجاوز العشرة مليارات دينار سنويا، وهو مبلغ زهيد جدا لايغطي حاجة العراق التي تقدر بمئات المليارات وخاصة في مجال الكهرباء والطرق والنقل والمواصلات والماء ومشاريع الاسكان، وهي فجوة تزداد مع مرور الوقت لان ما منجز من هذه المشاريع لا يتناسب مع الزيادة العددية في نسبة السكان، لذلك من المتوقع ان يستمر الاختلال في ميزان المدفوعات بارتفاع نسبة الاستيراد على التصدير واستمرار سوء الخدمات وارتفاع البطالة وهروب رؤوس الاموال لعدم وجود بنية تحتية للنهوض بالعملية التنموية اذا ما اريد للعراق اللحاق بركب الدول المتقدمة او حتى اللحاق بالدول النامية.
وبحسب قائمة مجلة جلوبال فاينانس لأغنى وأفقر دول العالم تصدرت قطر القائمة عربيا وعالميا في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي حيث بلغ 90149 دولارا سنويا في عام 2010 مقابل 83841 دولارا في عام 2009، وجاءت الامارات في المركز الثالث عربيا والـ18 عالميا بنصيب للفرد 36176 دولارا في عام 2010 مقابل 36537 دولارا في عام 2009 ثم البحرين بالمركز الرابع تليها سلطنة عمان في المركز الخامس ثم السعودية في المركز السادس تليها لبنان في المركز السابع ثم ليبيا في المركز الثامن تليها تونس في المركز التاسع ثم مصر في المركز العاشر تليها سوريا في المركز الـحادي عشر ثم المغرب في المركز الـثاني عشر.
ان الارقام التي تعلنها المؤسسات والمنظمات المالية الدولية رغم انها تعطي مؤشرات عن حجم الاموال والاستثمارات ومستوى النمو الاقتصادي الا انها لاتعبر في الحقيقة عن مستوى رقي الفرد ومستوى المعيشة المرتفع، فعلى سبيل المثال ان هناك دولا يتفوق عليها العراق في مستوى دخل الفرد، الا ان مواطنيها يعيشون في مستوى معيشي مرتفع عن نظرائهم في العراق، وان مقدار الخدمات المقدمة لهم من ماء وكهرباء وخدمات عامة من طرق مواصلات وتعليم ونظام صحي كفوء وضمان اجتماعي يفوق بكثير ما مقدم للفرد العراقي، فما فائدة ارتفاع مداخيل الفرد العراقي اذا كانت تذهب خمس ميزانية الاسرة العراقية للكهرباء في فصل الصيف الحالي ناهيك عن تلف الاجهزة الكهربائية التي تستقطع جزءا اخر من ميزانية الاسرة وينطبق الامر على بقية مناحي الحياة من ماء وتعليم وصحة والتي تؤثر على انخفاض مداخيل الادخار الضرورية لتحريك عجلة الاقتصاد.وحتى لو احتل العراق المركز الاول عربيا وعالميا في مستوى الدخل مع انهيار البنية التحتية ستظل موارده تذهب على امور ثانوية لتحسين الخدمات المقدمة له وهي من مهام الدولة لان اي مشاريع وخطط لتحسين البنية التحتية وهي مشاريع عملاقة لايستطيع انجازها الا المؤسسات الحكومية، ستنعكس اثارها الايجابية على الفرد العراقي في تحسن مستوى حياته وبالتالي دفع عملية التنمية التي توقفت منذ مطلع الثمانينات ليلحق العراق بركب الحضارة الذي لاينتظر احدا.
|
|