معايير جودة البرلمان
|
احمد جويد(*)
قدرة البرلمان على القيام بالمهام الملقاة على عاتقة خلال دورته التشريعية المخصصة له دستورياً هي المعيار الحقيقي لجودته، بمعنى آخر المنجزات (المخرجات) التشريعية والرقابية الناتجة عن أعمال البرلمانين والتي من خلالها يمكن تحقيق الأهداف والسياسات العامة للبلد. فالبرلمان الجيد هو الذي يُشَرِع ويُراقب ويُحاسب ويَعمل على تكريس مبدأ استقلال السلطات الثلاث ولا يعرقل مشاريع القوانين التي تخدم المصلحة العامة من أجل الحصول على مكاسب خاصة (سياسية أو فئوية)، وأن يكون - البرلمان- مهنياً في عملة حريصاً على أداء واجباته راعياً للمبادئ التي أقسم عليها أعضائه. وللوصول إلى معرفة جودة البرلمان لابد لنا من معرفة الايجابيات والسلبيات في العمل البرلماني والتي نستطيع من خلالها الاستدلال على المؤشرات التي تحدد أماكن القوة والضعف سلباً أو إيجاباً، ومن بين المؤشرات الايجابية لأي برلمان في العالم:
1- أن يشتمل على تعددية سياسية (أحزاب أو تيارات) مختلفة بحيث لا يتكون من حزب واحد أو طيف سياسي واحد يجعله مجرد برلمان صوري كما هو الحال في العديد من برلمانات الدول الدكتاتورية.2- وجود معارضة سياسية حقيقية داخل البرلمان تراقب تشريع القوانين وحسن تنفيذ المشروع الحكومي، كون المعارضة البرلمانية تمثل ورقة ضغط قوية على الجهات التي تحاول استغلال مناصبها السياسية لمصالحها الشخصية أو الحزبية أو الفئوية.3- اكتمال النصاب البرلماني في الجلسات الاعتيادية وبخاصة الجلسات التي يتم فيها مناقشة مشاريع قوانين مهمة من شأنها تحديد مستقبل البلد ومصالحه المرحلية أو الإستراتيجية.4- عقد الجلسات الاستثنائية في الحالات الطارئة والقضايا الهامة التي تمس أمن وسيادة البلد أو تهدد مستقبله الاقتصادي، أو للخروج بحلول تشريعية من شأنها معالجة أزمة سياسية معينة.
ومن المؤشرات السلبية في الأداء البرلماني:
1- عدم الالتزام بالنظام الداخلي.2- عدم وجود جدول أعمال للجلسات التي يتم عقدها أو الخروج عن جدول الأعمال لمناقشة قضايا أخرى غير مدرجة في جدول الجلسة.3- عدم اكتمال النصاب وبخاصة في الجلسات ذات الأهمية.4- كثرة التغيب عن حضور الجلسات عدم وجود قوانين تحاسب المتغيبين عن الحضور إلى قبة البرلمان بدون عذر مشروع.5- اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية من قبل رؤساء الكتل فقط دون الرجوع إلى أخذ الآراء من بقية الأعضاء الذي يقتصر دورهم على رفع الأيدي للتصويت على إقرارها.
وخلال مسيرة البرلمان العراقي السابق لاحظنا احدى أهم مميزاته عدم اكتمال النصاب وبخاصة في الجلسات المتعلقة بتشريع القوانين ذات الصلة بالخدمة العامة ومحاسبة المقصرين الأمر الذي أدى إلى عدم الاكتراث بالقوانين من قبل البعض من كبار المسؤولين في الدولة وتماديهم في هدر المال العام وارتكابهم لجرائم الفساد المالي والإداري الذي عطل العديد من المشاريع الخدمية والتنموية في البلد وبذلك يكون البرلمان قد أخل في جزء مهم من واجبه في العمل المناط به دستورياً والذي أقسم عليه جميع البرلمانين بدون استثناء. الملفت للنظر إننا وجدنا البرلمان العراقي الحالي يخفق ومنذ البداية في عدم الوصول إلى تجاوز أول عقبه سياسية يصطدم بها ألا وهي عقبة تشكيل الحكومة ورغم مرور ما يقارب السبعة أشهر على الانتخابات البرلمانية نجد إن البرلمان قد حقق (نصف جلسة) لأعضائه-والتي تُعَدّ أطول جلسة برلمانية في العالم قد تدخل في موسوعة (غينس) للارقام القياسية- وتُعَدّ هذه الحالة سابقة خطيرة ومؤشر سلبي في الأداء البرلماني الذي يأمل منه المواطنون إيجاد حلول لمشاكلهم الخدمية والأمنية والاقتصادية.
فمن المخجل أن ينظر البرلماني إلى نفسه على أنه ضعيف لا يستطيع أن يأتي بعمل منتج داخل المؤسسة التشريعية لأن هناك جهات قوية تمتلك القرار وهي التي بيدها كل شيء، وهذا الشعور بالضعف قد يتأتى من كون هذا البرلماني منضوياً تحت عباءة حزب أو تيار معين ويشعر بأن ذلك الحزب أو التيار السياسي هو صاحب الفضل عليه في الوصول إلى قبة البرلمان ولولاه-أي الحزب- لما استطاع أن يصل إلى هذه المكانة في الدولة، وبالتالي لا يستطيع البرلماني (الضعيف) أن يبدي أي رأي معارض أو مخالف للكتلة المنضوي تحتها "خوفاً أو استحياءً"، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى عدم سماع رأيه أو السماح له في إبداء الرأي وإن مهمته الوحيدة تقتصر على رفع يده ساعة أن يطلب منه ذلك، وهذا الأمر بحد ذاته يعد عاملاً من عوامل الضعف والخلل الكبير في الأداء البرلماني وبالتالي فهو يعد مؤشراً سلبياً على الأداء البرلماني وجودته. إن بناء فرق عمل برلمانية (ضاغطة) غير مرتبطة بكتلها السياسية ارتباطاً مصلحياً من شأنها أن تتيح الفرصة للحصول على أفضل النتائج وأن تثري النقاش وتنقح الأفكار وتؤدي في النهاية إلى إنجاز الأعمال وحل المشكلات، وللحصول على هذه النتائج المطلوبة لابد من الأخذ بعين الاعتبار بعض التجارب المشرقة في البرلمانات ذات المؤشرات الجيدة في العمل الديمقراطي الحقيقي والتي استطاعت أن تفرز حكومات جيدة ذات مشاريع طموحة ساعدت في تقدم وتطور بلدانها.ولا بد لهذه الفرق البرلمانية أن تتصف بالآتي:1- وضوح الرسالة والأهداف.2- التركيز على النتائج.3- تهيئة ظروف العمل الجماعي.4- التواصل بانفتاح ومصداقية.5- تحل خلافاتها بنفسها. وعليها أيضاً أن تحدد أولوياتها في سعيها لتحقيق أهدافها من خلال بناء دولة مدنية تكفل لهؤلاء الأعضاء قبل غيرهم الحصول على المكاسب المشروعة التي يسعون إلى تحقيقها دون الحاجة إلى استخدام مناصبهم في الدولة وجعلها وسيلة للحصول على امتيازات ومنافع على حساب المال العام والمصالح العامة التي من أجلها تم انتخابهم والإتيان بهم إلى قبة البرلمان، وعلى هذا الأساس نكون قد حققنا نسبة عالية من الجودة في أداء البرلمان.
(*) مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
|
|