حتى لا يكون مستقبلنا مثل ماضينا
|
قاسم العجرش
لقد انتقل ساستنا من المنافسة على الفوز بقلوب الناس.. إلى المنافسة على الفوز بقلب السلطة بعد أن أصبح الفوز به أقرب الطرق إلى الظفر بالغنيمة. وفي العراق أصواتً لا تزال تعيش في قفص الماضي، وكأن شيئاً لم يتغيّر من حولها، ومنطلقاتها الوحيدة حساباتها الشخصية والفئوية الضيقة، وباتت التشنجات السياسية وما يصحبها من توترات مقيتة تعكس نفسها في الشارع وبين العراقيين، اضافة الى إنعكاساتها السلبية على الإقتصاد الوطني، بما يؤدي إلى المزيد من التعطيل في المؤسسات وفي كل القطاعات الخدماتية والإقتصادية الضرورية لخدمة مصالح المواطنين، وأضاعوا عمدا السبيل لتحصين الوضع الداخلي بالتحاور الهادئ والعقلاني لمنع أي انعكاسات سلبية على الساحة الداخلية..
هذا هو مشهد القيادات السياسية السادرين في تنفيذ فصوله فصلا بعد فصل، دون الأكتراث لعاملين مهمين هما ضابطا العملية السياسية، الشعب ورغائبه، والوقت وأستحقاقاته.. فالواقع السياسي يطبعه الكثير من الفوضى، فوضى التنظيم وفوضى الأداء، وفوضى الأفكار والمواقف، والذي من نتائجه الحتمية إرباك الناس والتشويش عليهم وفقدهم الثقة في المستقبل ،فكثير مما نراه من الكلام (التصريحات ) هو لعب بالنار حقيقة، السياسية في مفهومها العلمي والفلسفي والتقني، هي رؤية وسلوك هي معايير وقيم، ومن ثم هي موقف للحياة بالبناء، ومنها بالنقد البناء وبالكد والأرق وبناء الوعي والممارسة ،أما أن تكون بذلك القدر الذي نشاهده أحيانا من العبثية فيجب أن يكون مرفوضا ،وفي مثل هذه الأجواء المسمومة يغيب سلوك الاتزان والعقل, كما أن الحكمة والمسؤولية تكون في إجازة قسرية أمام الاستفراد والاحتكار والإقصاء والفوضى .. فما الذي سيضر لو فتحنا صدورنا واستمعنا بإصغاء للعقلاء وغلبنا صوت الحق والمنطق والخير ؟
وإذا لم تصدق النوايا فلن تصدق الأقوال ولن تصدق الأعمال، فهما دليل صدق النوايا, ومسألة الحوار هي نية وأهمية، قبل أن تكون قضية إعلامية يجري تسويقها للرأي العام في الداخل والخارج كان الأمل ومازال يحدونا بأن تتحرك عربة الحوار دون أن يعترض طريقها شيء من المطبات السياسية وفي حقيقة الأمر كنت أتوقع- ومثلي الكثير - بأن شيئاً ما قد يحدث لتعكير صفو العملية لأسباب عديدة يأتي غياب النوايا الحسنة في المقدمة خلف غيابها سوف تجتمع كل الأسباب الأخرى وفي لحظة سوف نكتشف أن المسؤولية الوطنية قد أصابها شيء من مرض الغياب والضعف، ولأن العراقيين يمتلكون وعيا سياسيا متقدما، فإنهم على بينة من أن حاضرهم ـ إذا استمر على هذا المنوال لاسمح الله ـ سيقود إلى أن يكون مستقبلهم مثل ماضيهم القريب، مشبع بالآلام مترع بالآمال المحبطة. لذا وبهدف تمتين الوحدة الوطنية لدرء الأخطار التي يمكن أن تتأتى عن تزاحم الملفات،لا بد من مشاورات عاجلة مع مختلف الاطراف لحثها على المساهمة في تحصين الساحة الداخلية، استنادا الى المسؤولية الوطنية المشتركة التي يفترض ان يتشارك الجميع في تحملها ،لأن تأليف الحكومة ولو تأخر يجب أن يحصل لأن الناس لا يمكن أن تنتظر الى ما لا نهاية ،كما إن المصلحة الوطنية تقتضي العودة الى خطاب هادىء وعدم التهديد والوعيد وافتعال دور أقوى من دور الدولة وهي التي تحتضن الجميع، ويمكن أن نعالج خلافاتنا من خلال مؤسساتنا الدستورية ومن خلال الأساليب الديموقراطية، ولعل أهم ما في هذه الأمور أنها وضعت فوق الطاولة وأن كل طرف كان لديه ملاحظات عبر عنها، وان العقبات ليست كبيرة والمطلوب جهد إضافي لتأليف الحكومة ولا يجب ان يطول موعد تأليفها بسبب اللامبالاة التى تطبع مواقف كثير من القوى السياسية، والتي عليها مسؤولية وواجب المساهمة كل من موقعه في حلحلة أزمات بلده إذ البلد لا يقبل الحياد، فالواقع العنيد أصبح يضغط على كل من يتمتع بذرة من وطنية أن يعبر عن موقفه ،وأن لا يتورع عن التغيير بيده ولسانه في فتنة البلد السياسية. فالراشدون فكثيرون هم في هذا البلد من قلبوا السياسية إلى لعبة أطفال،فأصبح حال الساحة السياسية لا يسر أحدا، يطبعه التشرذم والارتجالية، وعدم الاتفاق في الحدود الدنيا على تعريف واضح للمصلحة الوطنية، والتواضع على قواعد لعبة سياسية معترف بها، تترفع عن المصالح والإغراءات الضيقة والميول الخاصة، إلى مدى أوسع من العمل لمصلحة الجميع
والمعول عليه هو أن تصل أطراف عمليتنا السياسية إلى بلورة رؤية، تعتمد على مخزوننا الروحي والاجتماعي والإنساني والمادي ،فرغم الأهمية الخاصة للتعاون والشراكة مع العالم، إلا أنها لا يمكن أن تمثل بديلا عن الاعتماد على الذات، و عن السياسات الوطنية الرشيدة والعلمية، التي تقارب واقعنا من داخله وهو سر التنمية الشاملة والناجحة. فالواقع العنيد وطبيعة التحديات الماثلة، يحتم على المنتظم السياسي الوطني بكل أطيافه، انتهاج مقاربة أكثر إيجابية من أجل الحوار الإيجابي فحاجة موريتانيا للاستقرار والشروع في العمل البناء واضحة جدا. لنؤسس فعليا لمنظور قابل للتطبيق يحقق وحدتنا الوطنية ويصون تعايشنا التاريخي ويمثل تصورات منيعة في سبيل البناء والاستقرار المنشود.
|
|