محاضرة يلقيها.. سَمَاحَةُ المَرجِعِ الدّيني آيةُ اللهِ العُظمى السَيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسي
عاشوراء .. توحد صفوفنا وتغير تاريخنا وتضعنا في مسيرة التقدم
|
*إعداد / بشير عباس
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ* وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ* أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ* أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ" سورة الأنعام (85-90)
آمنا بالله..
صدق الله العلي العظيم
لكي تنهض البشرية وتتحدى الصعاب وتتقدم في مختلف المجالات لابد لها كتجمعات وكأفراد من إرادة صلبة وعزم راسخ وقرار لا تردد فيه، هذا اذا توفرت كل العوامل المساعدة لبناء الحضارة وللتقدم وللنهضة وللتخلص من نير الاحتلال أو الجبت والطاغوت أو من أسر التخلف او من اصر الاغلال، أما اذا لم تتوفر الارادة فإن هذا المجتمع سيبقى متخلفا، لأنه لا يريد أن يصل الى ما يصل إليه.
هنا سؤال: كيف نوفر للأمة والجماهير وليس فقط للافراد روح الارادة وروح النهضة؟ وكيف نوفر القرار الحاسم ؟
إننا نعلم بأن الانسان أنّى كانت امكاناته وأنّى كانت هويته وشخصيته وإنتماءاته فإنه يتعرض لعوامل الضعف، ومن عوامل الضعف وساوس الشيطان ومن وساوس الشيطان الأعذار التي يرفعها الانسان أمام الآخر، فهو يبرر و يوجه وتسوّل له نفسه، وفي هذا الإطار كيف يمكننا أن نواجه كل هذا التبرير وكل هذه الأعذار؟ فالإنسان بإمكانه أن يشتري لنفسه السلع و المنتوجات، كما يمكنه أن يوفر لنفسه الحياة المرفهة، لكن كيف يمكن تقوية ومساندة الإرادة وترسيخها ؟
أغلب الناس إذا سألتهم وحاججتهم وأوصلتهم الى طريق مسدود، سيقول في نهاية المطاف: هذا هو أنا...! فلا أقدر على غير ذلك، لكن في الحقيقة لا يقول: لا استطيع، إنما لسان حاله هو: ليس عندي ارادة، إذن لِمَ لا تترك هذه العادة السيئة أو تلك، أو هذه الصفة او تلك؟ فيقول لا أقدر! فهذا يعني انه فاقد للارادة.
وقد ظلت شعوب آلاف السنين تعاني التخلف بسبب ترددها وخور عزيمتها وضعف إرادتها، ولكن مع ذلك هل يعني أننا نستسلم؟ أم هناك طريق آخر؟ الجواب: بلى هنالك طريق آخر، ربنا سبحانه وتعالى حينما خلق الانسان، فانه خلقه في أحسن تقويم وحينما خلقه، خلقه ليرحمه، وحينما خلقه ليتكامل ويتسامى ولم يخلقه لكي يبقى في الحفر الهابطة! إنما خلقه ليعرج به الى القمم والذرى السامقة، وقد وفّر تعالى كل الشروط الموضوعية والعوامل المساعدة لنهضة الانسان، فما هو العامل الذي وفره ربنا لدعم الإرادة؟ أنه العامل الأساس وهو بعثة الأنبياء (عليهم السلام)، أولهم آدم وخاتمهم نبينا الأكرم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فقد جاء الأنبياء في صورة بشر، "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ" لماذا خلقهم الله بشراً؟ لكي يقتدي الناس بهم، ولكي يتخذوا منهم قدوة ولكي يتحولوا الى أسوة، وقد ذكر القرآن الكريم الأنبياء في كل مناسبة، ولا تجد تقريباً سورة من السور الطوال أو المتوسطة في الكتاب المجيد إلا وفيها ذكر لنبي من أنبياء الله سبحانه وتعالى، لذا هنالك أمر بأن نذكر الانبياء، "واذكر في الكتاب..."، وأن نشيد بهم، كما إن الله سبحانه وتعالى يشيد بهم ويبين صفاتهم، والسبب هو لكي يتخذهم الناس قدوة.
وفي هذه الآيات التي صدّرنا بها المحاضرة، وبعد أن يذكر ربنا سبحانه وتعالى كوكبة من أنبياء الله الكرام والعظام: (زكريا، يحي، إلياس، يسع، عيسى، إسماعيل، يونس، لوط)، وكذلك حينما يذكرهم ويذكرنا بالأنبياء الآخرين (إسحق ويعقوب وإبراهيم)، يذكرنا ربنا بهم ثم يقول: "أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ" أي ان هؤلاء هم الذين هداهم الله وجعلهم منائر للهداية "فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ"، فاتخذوهم قدوة، لكم أن تقرؤوا قصة نبي الله آدم (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة و السلام)، فهو نبي عظيم وهو صفوة الله، صحيح أن ربنا سبحانه وتعالى يبين لنا قصة الشجرة وكيف أن إبليس غواه ولكن يبين بعدئذ أنه وبعد أن تاب وتاب الله عليه، اجتباه الله سبحانه وتعالى، فهو عصى وغوى لكنه تاب و قفز قفزة هائلة و وصل الى مرحلة الاجتباء، كذلك أمنا حواء فهي صفية الله، وهذا يعني أن لابد من اتخاذ سيرتهم درساً، و كيف أن الانسان، أي انسان حتى ولو خلقه الله وأسجد له ملائكته فانه يعتريه الضعف وحالة الانخداع فيغويه الشيطان، ويذكرنا ربنا سبحانه بذلك لأهمية معرفة الانسان بنفسه، فالانسان يجب أن يعرف نفسه من خلال قصة آدم لأن آدم لم يكن عربياً ولا أعجمياً ولم يكن من هذه القومية أو من تلك، بل كان أبو البشر جميعاً، وإذن لا يقول أحد: إن هذه الصفة موجودة في فلان جماعة لإنتمائهم أو لقوميتهم أو لإقليمهم أو ما أشبه، وإنما هي طبيعة الانسان وفطرته وقد تلخصت في هذا الرجل.
من هنا يجب أن ننتبه وندرس ونتخذ من النبي آدم (عليه السلام) مرآة لأنفسنا ونتعرف على أنفسنا من خلاله، فمن نحن؟ فليكن الانسان، أو ليكن ذلك الرجل الذي اصطفاه الله واختاره وأسجد الله له ملائكته حتى، فحتى هذا يمكن أن يتعرض لغاوية الشيطان، لكن ليس المهم غواية الانسان، إنما التوبة بعد الغواية، وأن تكون عنده القدرة والعزيمة على التوبة، إن قصة آدم تعطينا العزم على التوبة، أي ارادة التوبة. ألا يكفي للانسان المتقدم في السنّ - وهو على حافة القبر- بأن يتوب الى الله تعالى؟ فربما يكون الدفان قد حفر له القبر والكفّان قد هيأ له الكفن دون أن يعلم! لكنه يقول: إن الأيام القلائل المتبقية لا تفيد للتوبة! لاحظوا أحابيل الشيطان، فاذا لا تفيد هذه الأيام ولا تكون ثمة توبة، فأين يذهب الانسان؟
هنالك بعض الناس يسترسل في حياته، وكلما قيل له: تُب الى الله وغيّر نفسك، تراه مسترسلاً، ويقول: إن شاء الله غداً أو بعد غد، وإذا بملك الموت يحضره، فيقول لملك الموت: اعطني مهلة حتى أتوب اليوم! فيقول له ملك الموت: تركت كل الأيام وأخترت اليوم للتوبة! كلا، لايمكن ذلك، يقول له: حتى ولو لفترة العصر حتى أصلّي صلاة الظهر والعصر ومن ثم أتوب، فيقول له ملك الموت: كلا، إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون، فقد انتهى كل شيء! إذن، لنتخذ من قصة آدم ثورة على الذات ومحاسبة للنفس وتوبة الى الله، فلا بأس من أن تنهض في منتصف الليل لأداء صلاة الليل وأدعو ربك ودع دموعك تجري وقلبك يخشع وتوجه الى الله واعرف الآخرة والصراط والنيران واللهيب والجنة والنعيم، اذكرها واستحضرها في نفسك وصلي ركعتين وتب الى الله سبحانه وتعالى، إن هذه الشجاعة والعزيمة والعبرة نستلهمها من قصة آدم، "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"، ماذا نستفيد من هذه الآية؟
المراد هو أن لا يقول شخص يوماً ما: كل من أراد أن يقتلني أو يعتدي عليّ فأنا أسبقه وأقتله! إن الأمن الوقائي غير موجود في الاسلام، وهو بمعنى أن نبادر ونضرب الانسان قبل أن يقوم بجريمته وهذا خطأ، فهو العقاب قبل الجريمة، وحرمته اجمعت عليه الديانات الإلهية والقوانين الوضعية.
أما النبي نوح (عليه السلام) فنستفيد كيف أن على الانسان يجب أن يستمر بدعوته الى الله بالرغم من المعارضة العنيدة في تلك الفترة الطويلة، ومن كل نبي من الأنبياء نستفيد دروساً، ومن أكثر هذه الدروس وأغلبها إنما تتوجه الى الإرادة البشرية واعطاء البشر الإرادة والعزم.
أيها الأخوة: يقرأ الانسان الكتب والقصص، لكن مع قراءة القصص فإنها لا تؤثر في الانسان تأثيراً طبيعياً، فأنت حينما تتناول حبة علاج فإنها تؤثر فيك شئت أم أبيت، لكن القصص القرآنية عندما تقرأها فهي بحاجة الى تأمل وتدبر و اتعاظ، بمعنى هي بحاجة الى أن تفتح قلبك لهذه القصة الإلهية، وإذا لم تفتح قلبك فلا يمكن لهذه القصة أن تؤثر فيك، (رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه)، "وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً"، والقرآن يقول عن نفسه بأن الظالمين لن يستفيدوا من القرآن شفاءً وإنما يتحول القرآن بالنسبة اليهم الى خسارة، ونحن المسلمين يجب أن نعتبر بكل التاريخ، ومن أعظم ما في تاريخنا، لاسيما نحن من محبي أهل البيت (عليهم السلام)، قصة الإمام الحسين (عليه السلام) وملحمة كربلاء وذكرى عاشوراء، وقد مرت أيامها وعشناها وعايشناها تقريباً وكأننا كنا في أجوائها ولعل البعض الذين عاصروا الإمام الحسين (عليه السلام) أو حتى حضروا كربلاء لم يعايشوا كل هذه التفاصيل التي يعيشها الانسان المؤمن الموالي لفترة من الفترات في أيام عشرة عاشوراء لأنه يعيشها ويعاشرها وجزا الله خيراً من أحيا هذه الشعائر بأية طريقة ممكنة وبالذات الخطباء الأعلام الذين اجهدوا واتعبوا أنفسهم في سبيل توضيح ما يمكن توضيحه من مأساة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فجزاهم الله خير الجزاء وكثّر الله امثالهم ونفع الله بهم العباد والبلاد، ولكن يبقى السؤال: هل نستفيد من القصة نهضة عارمةً وشاملةً نستطيع ان نبلغ بها اهدافنا وان نحقق طموحاتنا ونغير واقعنا؟ أم تبقى القصة بعيدة عنّا، ونكتفي بحمل شعاراتها دون أن نحمل واقعها، أي ان يكون الشعار شيء والواقع شيء آخر، نحن درسنا في مدرسة طاهرة تطهر الانسان، (اشهد انك طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر طهرت وطهرت بك البلاد...)، وليس فقط الانسان حتى البلاد والمجتمع كله يطهر بابي عبد الله الحسين (عليه السلام).
حينما ندخل في مدرسة ابي الفضل العباس (عليه السلام) ونجد تلك الشهامة والبسالة والبطولة وذلك الوفاء والخلق الطيب، فهل استوحينا من أبي الفضل العباس هذه الارادة لنكون تابعين له في اللحظات الحاسمة؟
أيها الأخوة: في اللحظات العادية بامكان كل واحد منّا أن يتكلم ما يريد، ولكن في اللحظات الحاسمة يكون الاختبار، فعلينا ان نستحضر قصة أبي الفضل العباس وملحمته، ففي تلك اللحظة الحاسمة حينما نجد المصلحة في جانب والحق في جانب آخر، نجد كم نحن بحاجة الى الارادة والعزيمة ؟ إن الامام الحسين (عليه السلام) في ليلة عاشوراء يستمهل القوم ليصلي لربه ركعات وليقرأ القرآن الكريم، وفيما كان معسكر الاعداء مشغولين بالطبول والدفوف والفرح، كان معسكر الحسين(عليه السلام) يعلو منه دوّي كدوي النحل بين قارئ القرآن وبين مصلٍ وبين مناجٍ لربه، هؤلاء بالحقيقةً هم قدواتنا، ولعل اللحظة العظيمة في حياة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) تلك التي نظر احدهم نحو السماء وقال: يا ابا عبد الله هذا وقت الصلاة فقد حان وقتها، ولم تكن هنالك اذاعة ولا مؤذن، إنها ساعة معركة، وكانت السهام تأتي كالمطر والسيوف عطشى الى دم أبي عبد الله الحسين واصحابه! فقال الامام الحسين: نعم، إن هذا وقتها، جعلك الله من المصلين، هيا لنصلي، لكن اين؟ هل في الخندق العميق؟ كلا، وهل في داخل الخيام؟ كلا، إنما في وسط المعركة، والسهام تترى، لان معركة كربلاء تخللتها فصول، وكان هذا فصل السهام، فقد كان اربعة آلاف مقاتل يحاربون الامام الحسين (عليه السلام) بالسهام، وفي هذه اللحظة يتقدم الامام (عليه السلام)، و يتقدم اليه اثنان ويقدمان انفسهما فداءً للامام الحسين (عليه السلام) خلال وقت الصلاة، قالوا: يا ابا عبد الله صلّ أنت ونحن نحميك بصدورنا وقلوبنا واروحنا، فوقفا أمام الإمام وهو يصلي وكانت السهام تأتيهم كالمطر عليهم، وكلما جاء السهم من اليمين او من الشمال تلقوه بجسمهم العاري حتى لا يصيب السهم الامام الحسين وهو يتقدم اصحابه في الصلاة...
إن كثيراً من الناس يصلي اذا أتيحت له الفرصة في المسجد أو البيت أو أي مكان مناسب آخر، لكن ما أن تحصل مشكلة فان أول ما يتركه هو الصلاة! فيما يبقى اهتمامه بالأكل والنوم أو ما يحتاجه من العقاقير الطبية.
كنت مرافِق لجماعة مسلمين في طائرة من فترة الظهر وحتى المغرب، وكان على متن الطائرة حوالي مئة راكب، ولم أرَ شخصاً واحداً نهض للصلاة! فهنا نتخذ العزيمة للصلاة من الحسين (عليه السلام)، ومن زينب نتخذ روحها و صبرها وتصديها.. سبحان الله، إنها امرأة لكن أيّ امرأة؟! صحيح انها بنت فاطمة وبنت علي وحفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكن كيف تجلت فيها إحدى الصفات المثلى وهي صفة الصبر و البكاء، فهي تبكي وتثير لكن بكاءها ليس بكاء الخضوع والاستسلام وانما بكاء التحدي، فهي تبكي لكي تؤثر ببكائها في أولئك القساة، وفي نفس الوقت تلقي تلك الخطبة العصماء التي يصعب على كثير من الناس عادةً ان يؤلفوا مثلها وفي افضل الأوقات.
اعظم موقف اراه للعقيلة زينب (عليها السلام)، موقفها حينما وقفت على جسد اخيها يوم الحادي عشر من شهر محرم الحرام، فأي حالة كانت عليها؟ لقد كانت منهكة (عليها السلام) من كُثر ما تعرضت للسياط وقد تورّم متنها من الضرب! فهل تعلمون لماذا؟ لان كلما كان هؤلاء القساة الجفاة يتوجهون الى الاطفال والى العائلة الكريمة - السبايا والاسارى- ليضربوهم كانت (عليها السلام) تفديهم بروحها وتاتي وتستقبل الضرب، وهذا كان وضعها في ليلة عاشوراء وفي ليلة الحادي عشر، ومنذ يوم عاشوراء فان كل ساعة مرت على العقيلة زنيب (عليها السلام) تمثّل دهراً من الآلام والشجون، فتحملت وهي أسيرة، وقد طلبوا أو يقال انهم طلبوا أو هُم مروا على اجساد قتلاهم، فوصلوا الى جسد الامام الحسين(ع)، يقول الامام زين العابدين (عليه السلام) كدت ان افقد الحياة فرمقتني عمتي زينب وقالت: يا ابن اخي انت ثمالة الباقين ماذا تصنع بنفسك اراك تجود بنفسك، فاذا رحلت انت لن يبقى لنا أحد، فقال: عمتاه ماذا افعل هذا جسد حجة الله على الارض، هذا الحسين بن علي هل تريه؟! فكيف اصبر؟ لكن زينب برباطة جأشها قالت له: هذا عهد من الله سبحانه وتعالى لجدك رسول الله ولجدك علي بن ابي طالب ولأبيك الحسين، ثم أخذت تحكي قصة طويلة ومهمة جداً، وهي القصة التي في الحقيقة لو درسناها لاستغرقت أشهر، ونجد كيف ان الله تعالى عاهد هذه العائلة الكريمة بأن تضحي بنفسها في سبيل الله سبحانه وتعالى، فاطمأنت نفس الامام زين العابدين (عليه السلام) وحافظت زينب عليه.
قرأت عند بعض المسيحيين عندما يكتبون عن زينب في بعض الموسوعات العلمية، تكون كلمة (الصبر) مرادفة لاسمها، فزينب بنت علي ابن ابي طالب مشهورة بصبرها واستقامتها، ونحن نسأل الله سبحانه وتعالى ان يمنحنا التوفيق لكي نواجه هذه الملحمة الكبرى، ملحمة ابي عبد الله (عليه السلام) لاستيعابها والاتعاض بها والاعتبار بعبرها لكي تتحول هذه الملحمة الى مسيرة لحياتنا لكي نتقدم الى الأمام وتتوحد صفوفنا ونغير تاريخنا وننهض بهذه الامة المظلومة والمهضومة، فهناك من يوقعون الانفجارات بين المعزين على الإمام الحسين (عليه السلام) ويقتلونهم لمجرد انهم يعزون لابي عبد الله الحسين، فكم هي المؤامرات الكبرى التي تحاك ضد هذا البلد وضد هذه الامة، ولكننا بالتوكل على الله وبالاقتداء باهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بالنبيين (عليهم السلام) سوف نتحدى كل ذلك وما بكاؤنا وما عزاؤنا وما الشعائر التي نقيمها الاّ دليل على اننا مازلنا متمسكين بمنهج ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) وبثورته مقتدين به سائرين على نهجه، نسأله سبحانه وتعالى ان يوفقنا الى ذلك انه سميع الدعاء.
وصلى الله على محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.
|
|