الترهل.. والفساد الإداري
|
إيمان شمس الدين
لعل تسليط الضوء على ما نعانيه من مشكلات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وغيرها، ومحاولة معالجتها من دون الولوج بعمق في مسبباتها والاكتفاء بمجرد المعالجات السطحية لها، قد يكون أحد أسباب التخلف الذي نعيشه على جميع المستويات. فأي منظومة اجتماعية هادفة، وتتطلع الى مستقبل متطور وناجح وبنّاء، لابد أن تنطلق من قاعدة فكرية رصينة ومتماسكة ومتناغمة تقدم رؤية شاملة للحياة تتناغم فيها النظرية مع الواقع وتكون قابلة للتطبيق لتعالج وتنهض ويكون فيها القانون هو الحاكم لا المحكوم ويطبق على الجميع من دون استثناء.
إن الترهل والفساد الإداري مسميات لحالة مرضية يمكن أن تصيب النظم الاجتماعية والسياسية، وهي حالات لها علاقة بالاختلالات الإدارية في النظم الاجتماعية التي ينجم عنها العبث في مقدرات هذه النظم والاستغلال والتلاعب في حياة الشعب. وهما يوجدان حيثما توظف حزب او منظمة ما أو شخص صاحب سلطات وصلاحيات ما هو ممنوح لهم بطريقة غير موضوعية مع تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. ومن ثم تحكيم الهوى والميل في صناعة القرارات واتخاذها. بمعنى حدوث نوع من الاحتكار للشيء أو الخدمة المعنية في الوقت الذي تمارس فيه حرية الاستنساب، بمعنى تستنسب من يتلقى هذه الخدمة ومن يستفيد منها ومقدار ما يحصل عليه منها من دون خضوع للمساءلة.ولعل تشخيص هذه الظاهرة بشكل دقيق قد يقودنا إلى التمييز بين النتائج والمسببات، فالفقر على سبيل المثال، هو نتيجة لأسباب منها الترهل والفساد الإداري، وليس سببا لهما. وهذا التمييز سيكون له أثر كبير في وضع الأطر المناسبة للطرق السليمة والناجعة التي يمكن أن تعالج الأسباب التي أدت إلى الترهل والفساد.
وما تمر به اليوم البلاد من ترهلات وفساد إداري هو نتيجة طبيعية لغياب المنطق (الصحيح والعادل والنزيه) للقانون، والقفز فوقه، وتغليب المصلحة الذاتية والشخصية والفوئية والقبلية والطائفية على المصالح العليا للوطن والشعب. ولا أريد أن أرفع المسؤولية في ذلك عن الشعب، لأنه جزء مهم من انتشار هذه الظاهرة المرضية. فما لدينا اليوم من حصيلة هو في بعض جوانبه نتيجة لاختيار الشعب أيضا، الذي عكس لنا عن تمدد مرضي لكل الآفات الاجتماعية الهدامة والخطيرة ..، وكيف استطاعت هذه الآفات أن تفتك، من دون أدنى مقاومة وممانعة من مؤسسات المجتمع الدولة التي تخلت عن مسؤولياتها في المواجهة، بل ساعدت في نشرها. وباختصار فإن الفساد بهذا الشكل الكبير هو نتاج لعدم الكفاءة المؤسسية وضعف الاستقرار السياسي والرتابة الحكومية البيروقراطية وضعف الأنظمة التشريعية والقضائية، ومتى نشأ النظام الفاسد واستقر وكانت هناك أغلبية تعمل داخله فلن تكون هناك حوافز لدى الأفراد لمحاولة تغييره أو الامتناع عن المشاركة فيه، حتى لو كان كل شخص سيصبح في حال أفضل لو زال الفساد. لذلك فإن التصدي لمعالجة هذه الأمراض لا يكون بالمعالجات السطحية الترقيعية، بل عبر الولوج بعمق في دراسة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه المشكلات العميقة من جهة، وإلى إعادة النظر في القاعدة الفكرية التي ينطلق منها فهمنا للكثير من المفاهيم، كالديموقراطية والمواطنة والوطن والحرية والانتماء والمجتمع المدني وغيرها من المفاهيم التي تبني الدولة وتنهض بالموارد البشرية، وتكون سببا مباشرا في التقدم الحضاري والتطور على جميع المستويات.
|
|