مصداقية الوقف الشيعي على المحك
|
صادق حسين الركابي
اعتادت والدتي الاستماع إلى محاضرات سماحة أية الله السيد مرتضى القزويني حفظه الله حتى أنها كانت تعيد علينا ما يقوله أو يرويه من أحاديث و آيات قرآنية و قصص، تتحدث عن أحوال الناس في الدنيا و أمورهم في الآخرة، و تُعلمهم مكارم الأخلاق و تحذرهم من رذائلها. إلاّ أننا صدمنا في هذه الأيام بخبر تناقلته بعض وسائل الإعلام مفاده أن ديوان الوقف الشيعي في جمهورية العراق قررمنع بث المحاضرات الدينية مباشرة من الروضة الحسينية حتى يتم التأكد من صحة الأحاديث و الآيات الشريفة التي يتم ذكرها في تلك المجالس و من ضمنها محاضرات السيد القزويني التي كانت تبث مباشرة عبر بعض القنوات الفضائية.
وهي خطوة أثارت حفيظة الكثيرين و أثارت العديد من التساؤلات حول التوقيت و السبب الحقيقي وراء هذا القرار. فالحجج الواهية التي استند عليها ذلك القرار المجحف تتناقض مع بعضها. و المتابع لمحاضرات السيد القزويني يجد بأنه يقرأ مباشرة من القرآن الكريم و يفسر بالاستناد إلى العديد من الكتب و التفاسير المعروفة. كما أن السيد المبجل ليس بشاب ٍ صغير، حديث العهد بالمحاضرات الدينية أو تخرّج منذ سنة أو سنتين و بدأ كغيره يفتي من هنا و هناك و يحرض الناس على الإرهاب و الفتنة. كما أنها ليست المرة الأولى التي يحاضر فيها في مجالس حسينية و يتحدث فيها أمام الآلاف من الناس و هو سيد جليل يُشهد له بالمعرفة بعلوم الدين و الفقه و الاعتدال و الوسطية بعيدا ً عن التعصب و الافتراء.
بل نجده يخاطب حتى التكفيريين بالحكمة و الموعظة الحسنة و يدعوهم مرارا ً و تكرارا ً للتعرف على المذاهب الإسلامية الأخرى و يوضح لهم حقيقة المذهب الجعفري و الشيعة بأنهم مسلمون كغيرهم يشهدون بأنه لا إله إلا الله و أن محمدا ً رسول الله و أن صلاتهم هي لله وحده و قبلتهم هي ذاتها قبلة كل المسلمين و هي الكعبة المشرفة.
فما هو الخطأ الذي ارتكبه هذا العالم الجليل و غيره من علماء الحوزة العلمية حتى يستحقوا مثل هذا القرار الظالم؟.و هل يعني هذا بأنه يتوجب على كل عالم ٍ و فقيه ٍ أن يرجع إلى ديوان الوقف الشيعي في خطبه و محاضراته حتى يحصل على موافقة و بركة هذا الديوان ليتمكن من المضي في عمله و إرشاده للناس. هل عدنا إلى مرحلة النظام البائد الذي كان يسيطر حتى على خطب الجمعة خوفا ً من الفكر و الثقافة و العلوم و باستخدام ذات الحجة و هي التأكد من صحة الأحاديث و الآيات. سبحان الله، ما أشبه اليوم بالأمس .
وإذا كان مثل هذا القرار يصدر عن مؤسسة شيعية فلماذا نعتب إذا ً على تلك الدول التي تحارب مجالس الحسين و علماء أهل البيت (عليهم السلام) و نقول بأن تلك الدول لا تحترم الحريات الدينية و ممارسة الشعائر المقدسة؟!. هل إن هذا الإجراء يأتي تمهيدا ً لإجراءات أخرى أشد و أقسى على أتباع أهل البيت في بلد يكثر فيه أنصارهم و هو العراق؟ و هل يأتي هذا القرار غير الحكيمة استجابة لضغوطات إقليمية و دولية تجد في العراق خطرا ً على أنظمتها باعتبار أن مبادىء الحسين تهدد عروش طواغيتها؟. هل تستحق الانتخابات و الفوز بالكراسي كل هذا الانصياع لضغوطات بعض الدول الإقليمية حتى صرنا نتخلى عن رموزنا و نساوم عليها؟. لكن ما أكثر العبر و أقل المعتبرين ! فهذا التاريخ يعيد نفسه و ذكرى عاشوراء تتكرر أمامنا لكن بغير شخوصها و في غير زمانها. و إذا كان البعض يتصور بأن الخضوع لمثل هذه الضغوطات الإقليمية سوف يمكنه من الحصول على مكاسب سياسية و مادية أكبر فهو مخطىء و واهم و هو بالتأكيد لم يقرأ تاريخ عاشوراء جيدا ً. فيزيد اللعين لم يتمكن من محو ذكر الحسين (ع) و لا من جاء وراءه من حكومات ظالمة اتبعت أبشع الوسائل لترهيب الناس و محو ذكر أهل البيت (ع). و لم تتمكن تلك الحكومات من تخليد حكمها في حين بقي ذكر الحسين و أصحابه خالدا ً على مدى الدهور.
إننا نهيب بديوان الوقف الشيعي و المسؤولين فيه بأن يكونوا على قدر المسؤولية المناطة بهم في نشر فكر الحرية و التعددية بعيدا ً عن الحزبية الضيقة و المقيتة. و نؤكد لهم أن الاستمرار في هذا القرار سوف يفقدهم مصداقيتهم في الشارع العراقي خاصة و الإسلامي عامة.و أود أن أشير هنا إلى نقطة هامة و أساسية و هي أن صحن الإمام الحسين (ع) و الروضة العباسية، هما ليستا ملكا ً لجهة ما أو حزب معين و إنما هما ملك ٌ لجميع الأحرار في العالم فكيف و سيد من أولاد الرسول (صلى الله عليه و آله و سلّم) يمنع من إلقاء محاضرات دينية من صحن جده الحسين (ع). و من هو الذي أعطى الحق لجهة دون أخرى أن تمثل ملايين الشيعة في العالم و تصادر حقهم في الاستماع لصوت الحسين (ع). و أود التذكير أيضا ً بأنه إذا كانت الجهة التي قررت إصدار مثل هذا القرار بمنع المحاضرات من صحن الروضة الحسينية تعدّ نفسها وقفا ً للشيعة فإن كربلاء المطهرة و النجف المقدسة كلها وقف ٌ للشيعة و أحرار العالم. و لا يملك أحد أو سلطة ما الحق في احتكارهما. لذلك نرجو أن يتم تصحيح هذا الخطأ و الابتعاد عن هذه الزلّة و أن لا نكون مرتهنين في مواقفنا لدول و أحزاب فهذا لا يمثل خط الأحرار و لا نهجهم و نحن الذين كنا و لا نزال نقول (هيهات منّا الذلّة) .
|
|