قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

على محراب السياسة
اياد محسن
الوطن يحتاج للطبيب ان يبقى طبيبا يؤدي دوره الإنساني والصحي، ويحتاج لان يبقى الإعلامي إعلامياً يمارس الرقابة والنقد لإيصال الحقيقة إلى الرأي العام، غير إن ما يحدث في العراق يثير الاستغراب و يبعث على الدهشة فهوس السياسة أصاب الجميع وراحت اغلب نخبنا وكفاءاتنا تصبو إليها و تطوف في حضرتها إذ وبمجرد أن اقترب موعد الانتخابات النيابية وقررت بعض الكتل إجراء انتخابات أولية حتى هرع الآلاف للوقوف على باب الترشيح والتزاحم من اجل الوصول إلى عتبة مجلس النواب. الطبيب الجراح والعالم الكيماوي والمهندس المعماري والأستاذ الجامعي والفنان التشكيلي والمسرحي، الجميع غير مؤمن بجدوى الاختصاص الذي يمارسه ويتحين الفرص لمغادرته إلى ضفة السياسة !؟. ولو قدر لمجلس النواب يتكون من ألفين أو ثلاثة آلاف عضو لأقفرت الساحة العراقية إلا من السياسة وعشاقها !.
في المجالس العشائرية وفي الجامعات في المنتديات الثقافية والفكرية في المجالس الدينية في الساحات الرياضية وفي المؤتمرات العلمية لا حديث إلاّ حديث السياسة ولا شغل إلاّ بتشكيل الائتلافات والدخول في تحالفات والتقرب من هذا الحزب او ذاك من اجل الدعم واثبات الوجود.
السلطة هي من يجعل السياسة أكثر استقطابا للنخب من غيرها بما تمتلكه من قدرة على صناعة الرفاهية وبناء الثروة وفرض الهيمنة من خلال صناعة القرار، فهل نحن مجتمع يعيش كل هذا الجوع للسلطة حتى أضحت كالآفة التي فتحت فاهها و ابتلعت طاقاتنا وإبداعاتنا كافة؟!.
صحيح ان مجلس النواب يحتاج الى اختصاصات متنوعة يمكن ان يشكل كل منها عامل ابداع في مجاله لكننا لا يمكن ان نذبح كل كفاءاتنا وخبراتنا على محراب السياسة، لأن البلد كما يبنى من خلال قبة مجلس النواب والحكومة فإنه يبنى من خلال المدرسة والمستشفى وحقل الزراعة والمسرح، و. و.، فمن يا ترى سينشر البسمة ويصنع الجمال من خلال نص شعري مثلا...، ومن سينقذ الأرواح من الأوبئة والأمراض التي تجتاح المجتمع ومن سوف ينتقد ويراقب ويهدد بالعقاب اذا كان الجميع يمارس عملية الجري واللهاث في ماراثون السياسة وسباقاتها الانتخابية؟ .. فلماذا هذا التهافت من نخبنا الثقافية والعلمية على أبواب السياسة والسياسيين.
هذه الظاهرة تحتاج إلى وقفة تأمل وتحليل ووضع للحلول وإزالة للعوامل التي تجعل ممارسة العمل السياسي بهذا القدر من الجاذبية، اذ تمارس كفاءاتنا نوعين من الهجرة أولاهما إلى الدول الأخرى بحثا عن فرص أفضل للعمل وثانيهما إلى ميدان العمل السياسي طلبا للثراء والسلطة، ولو أمعنا النظر إلى الدول التي سبقتنا في البناء الديمقراطي لوجدنا ان السياسة تؤدى كمهنة شريفة دون ان تستغل كوسيلة للعيش والثراء ،حتى ان الكثير من السياسيين ينفقون اموالهم وثرواتهم الخاصة لسد تكاليف عملهم السياسي فهم يؤمنون بها كفن لادارة وبناء الدولة وتقديم الخدمات للآخرين وليس كجسر للعبور ووسيلة لتحقيق الطموح الشخصي على حساب الم الفقراء وبؤسهم.